تنفرد العربية عن بقية لغات العالم، والتي يقدر عددها اليوم بنحو سبعة آلاف لغة، بأن قارئها يفهم بغير صعوبة نصوصاً مدونةً بها منذ القدم، وهي اللغة الوحيدة تقريباً التي استمرت سبعة عشر قرناً على الأقل محافظةً على كيانها وهويتها وتماسكها، ونجت من مصائر لغات أخرى مثل الأكادية والآرامية والعبرية والإغريقية واللاتينية.. وكلها لغات اختفت وحلّت محلها لهجات مشتقة منها أصبحت الآن لغات قائمة بذاتها.
هذه الفرادة التي طبعت العربية على مر الزمن هي ما يتناوله كتاب «اللغة العربية في التاريخ الإنساني»، لمؤلفه محمد محمد علي، الباحث والإعلامي والمترجم الدولي، وصاحب المؤلفات العديدة حول تاريخ الحضارات والأنظمة الثقافية وعلاقات الشرق والغرب.
وفي كتابه الجديد الذي نعرضه هنا، يوضح محمد علي أن اللغة العربية التي يستخدمها أهلها اليوم في التخاطب والتواصل، تعود إلى فترة سحيقة من التاريخ، لكننا مع ذلك، كما يقول إيرسنت رينان، لا نعرف لها طفولةً ولا شباباً ولا شيخوخة، لأنها وصلت إلينا ناضجةً مكتملةَ التكوين. وهي وإن كانت أحدث اللغات السامية نشأةً، فإنها أقربها جميعاً إلى السامية الأم، لاسيما من حيث أصول مفرداتها وتراكيبها وقواعدها وأبنيتها النحوية والصوتية.