عاماً بعد عام، يُثبت منتدى دافوس الاقتصادي، الذي اختتم أعماله أمس، أنه الاجتماع الأبرز من نوعه على الصعيد العالمي، ليس فقط لأنه يجمع على طاولة واحدة، وبصورة منتظمة، كبار قادة العالم من القطاعَيْن الحكومي والخاص، ولكن أيضاً لأنه بات نافذة رئيسة لاستكشاف الفرص والتحديات واستشراف مستقبل الاقتصاد العالمي. وانطلاقاً من تلك الأهمية، دائماً ما تحجز دولة الإمارات لنفسها مكانة متقدمة في صفوف المشاركين في المنتدى من صانعي المستقبل العالمي، وتحرص باستمرار على إنجاح مشاركاتها السنوية فيه عبر وفود تعكس اهتمام الدولة وأولوياتها.

ولعل النسخة الجديدة من منتدى دافوس للعام 2024، تأتي في ظروف اقتصادية دولية شديدة الحساسية وبالغة الدقة، ما أكسب المشاركة فيها أهمية خاصة لصانعي القرار الاقتصادي الدولي.

ومن هنا، جاءت المشاركة الإماراتية في هذه الدورة على أعلى المستويات التنفيذية، وبحضور كريم من سمو الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، ومجموعة من الوزراء، ومشاركة ممثلين من القطاع الخاص. وفي ظل المشاركة الإماراتية بهذا التمثيل الرفيع، فإن النتائج المنتظرة منها ستكون لها إسهامات حيوية تعزز مِن أداء الاقتصاد الوطني، واستراتيجيات الدولة ورؤيتها للمرحلة القادمة.

وبينما تُعتبر المشاركة رفيعة المستوى في منتدى دافوس لهذا العام دليلاً إضافياً على فاعلية الدبلوماسية الاقتصادية للدولة، فإنها تحمل في طياتها حقائق عدة فيما يخص القوة الناعمة للاقتصاد الوطني وفيما يتعلق بمبادراته الداعمة لحاضر العالم ومستقبله أيضاً.

أولى هذه الحقائق أنه في الوقت الذي حلت فيه دولة الإمارات ضمن الدول العشر الأولى في مؤشر القوة الناعمة العالمي لعام 2023، فإن مساهمتها المشهودة في دعم الاستقرار الاقتصادي العالمي تعد من أبرز مرتكزات هذه القوة الناعمة في البيئة الدولية. ولا شك في أن الحضور الفاعل للدولة في هذا المنتدى، والفرص الاقتصادية التي يوفرها والمبادرات التي تقدمها للفاعلين الدوليين من المشاركين في المنتدى، تعمق القوة الناعمة للإمارات في الاقتصاد العالمي، وتسلط الضوء على مكانتها الرائدة في المحافل والمؤتمرات الدولية.

والحقيقة الثانية المؤكدة لفاعلية حضور الإمارات في منتدى دافوس لهذا العام، أنه قد وقع اختيار المنتدى على مبادرة الحكومة الإماراتية «جاهز»، والتي انطلقت في نوفمبر 2022، ضمن أفضل المشاريع العالمية والممارسات المؤسسية الملهمة للجاهزية للمستقبل الرقمي.

وإذ يُعد هذا الاختيار تكليلاً للجهود المستمرة التي تبذلها الحكومة في تطوير بيئة الأعمال الداخلية وتسريع التحول الرقمي شديد التطور لتستمر ريادتها عالمياً، فإنه يقدم التجربة الإماراتية باعتبارها نموذجاً يحتذى به، ومن جانب آخر، يفسر الجاذبية الشديدة لبيئة الأعمال الإماراتية للاستثمارات الأجنبية المباشرة، تلك الجاذبية التي تجلت في تبوء الدولة المرتبةَ الأولى في منطقة غرب آسيا وفي إقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مع ترتيبها رقم 16 عالمياً في جذب تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة وفقاً لتقرير الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي الصادر عن منظمة أونكتاد للعام 2022. أما الحقيقة الثالثة، فهي أن هذه المشاركة تأتي في أعقاب نسخة تاريخية من مؤتمر «كوب 28» الذي استضافته الدولة بنجاح شهد به الجميع.

وفي تلك النسخة الاستثنائية، قدّمت دولة الإمارات للعالم مبادرةً تمويلية مبتكرة وداعمة للنمو الاقتصادي العالمي ورائدة في الاستدامة المناخية. ومن خلال الحضور الإماراتي الفاعل في أعمال منتدى دافوس، يُتوقع بقوة أن يكتسب صندوق المناخ الإماراتي حزمة دعم عالمي جديدة، ليحقق من خلالها الأهداف التي ترعاها دولة الإمارات في الاقتصاد العالمي، وعلى رأسها دعم التنمية المستدامة ومواجهة التحديات التمويلية للعمل المناخي الدولي.

*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.