على إدارة بايدن أن تفعل كل ما في وسعها لحماية الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية. وعليها أن تفعل كل ما في وسعها لحماية الإسرائيليين. وهو ما يعني ضرورة تعليق المساعدات العسكرية للحكومة الإسرائيلية إلى أن يحصل المدنيون الفلسطينيون في غزة على ما يكفي من الطعام والماء والدواء والمأوى من أجل النجاة والبقاء في الحرب، والتعهد للشعب الإسرائيلي بأن الولايات المتحدة وحلفاءها سيبذلون كل ما في وسعهم لحمايته من أي هجوم آخر.
مفتاح نجاح هذه السياسة المزدوجة هو التركيز على حيوات الناس في كلا الجانبين بدلاً من التركيز على دعم دولة ما أو سحب الدعم منها. ولكن، هل ستبقى إسرائيل كدولة يهودية؟ وهل سيحصل الشعب الفلسطيني على دولته الخاصة؟ المسؤولون الحكوميون وخبراء السياسة الخارجية يشتغلون ضمن نظام دولي يتألف من الدول، ولهذا، فإنهم يركزون على الحكومات عادة وليس على الشعوب.
والحال أنه في الوقت الراهن وفي المستقبل المنظور، يجب أن تولى الأولوية لحياة الناس -- رجالاً ونساء وأطفالاً من كلا الجانبين – وتقدَّم على تلك الأسئلة. فالحكومة الإسرائيلية قتلت عشرات الآلاف من الرجال والنساء والأطفال الفلسطينيين، ويمكن أن تقتل عشرات الآلاف الآخرين في سعيها للقضاء على «حماس». ومن جانبها، تسعى «حماس» وأنصارها إلى قتل السبعة ملايين يهودي أو أكثر الذين يعيشون في إسرائيل أو طردهم. فعقب هجوم 7 أكتوبر، أعلن زعيم «حماس» إسماعيل هنية أن «حماس» تنوي أن تتبع الهجوم «بهزيمة ساحقة تطرد [العدو] من أراضينا». والواقع أن «حماس» وحدها لا تستطيع فعل ذلك، ولكن «حماس» و«حزب الله» وإيران يستطيعون معاً فعل ذلك، في حال لم تساعد أي دول أخرى الحكومة الإسرائيلية على صدّههم.
والواقع أنه من المستحيل معرفة ما إن كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يؤمن بأنه يحمي الشعب الإسرائيلي أو يسعى فقط إلى البقاء في السلطة عبر مواصلة بل وتوسيع الحرب التي أعلنها ضد «حماس» والتي يخوضها في الواقع ضد كل سكان غزة. غير أن الناس حول العالم الذين يؤمنون بأن لدى الشعب الإسرائيلي الحق في العيش بسلام وأمن في دولة يهودية -- وأن لدى الشعب الفلسطيني الحق نفسه في دولة فلسطينية -- يمكنهم رؤية الضرر البالغ الذي يتسبب فيه نتنياهو. ذلك أن سياساته تقوّض كثيراً الدعم الذي تحظى به إسرائيل في الولايات المتحدة وأوروبا، وربما لسنوات قادمة، وتعيدها إلى وضع البلد المنبوذ في العالم العربي والإسلامي، مما ينسف عقوداً من التقدم نحو التطبيع.
الإسرائيليون لا يمكنهم رؤية الخطر طويل الأمد الذي يحدق بهم بسبب الصدمة التي لم يخرجوا منها بعد بالإضافة إلى «فقاعة المعلومات» المحيطة بهم. ذلك أنهم يشاهدون مقاطع فيديو حول هجوم 7 أكتوبر ويسمعون قصصاً عنه، مرات ومرات، تماماً على غرار ما فعل الأميركيون حينما ظلوا يشاهدون ويعيدون مشاهدة وعيش مقاطع فيديو للحظة ارتطام الطائرتين بالبرجين التوأم يوم 11 سبتمبر، حين كان أشخاص يائسون يقفزون إلى حتفهم وانهارت 110 طوابق من الفولاذ والزجاج في ثوان معدودات. والواقع أن الإسرائيليين ما زالوا أيضاً يتعرضون للهجمات ويلوذون إلى الملاجئ بشكل يومي. غير أن الإسرائيليين الناطقين بالعبرية الذين يشاهدون الأخبار لا يشاهدون صور قصف المباني السكنية والمدارس والمستشفيات والمساجد في غزة، أو الأطفال الذين يموتون جوعاً والآباء الذين سيفعلون أي شيء لمحاولة إطعامهم، أو الأقارب المفجوعين الذين يبكون موت أفراد من عائلاتهم باللوعة نفسها التي يحسّ بها أقارب الإسرائيليين الذين قتلتهم «حماس». الصور متاحة بالتأكيد، ولكن لا الصحافيون الإسرائيليون ولا مواطنو البلد اليهود يبحثون عنها.
ولهذا، على الرئيس بايدن والزعماء في الدول الأخرى التي تدعم إسرائيل تقليدياً التحدث مع الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني بشكل مباشر. وينبغي أن تكون رسالتهم للفلسطينيين هي أننا سنبذل كل ما في وسعنا لضمان حصولهم على ما يحتاجونه من أجل البقاء وإعادة البناء -- على أن يترافق دعم دولة فلسطينية باعتراف بحق إسرائيل في الوجود في سلام وأمن.
أما بالنسبة للإسرائيليين، فيجب أن يتحدث معهم بايدن بشكل مباشر عن التزامه بسلامتهم ورخائهم. غير أن هذا الالتزام لا يمكن أن يتحول إلى أسلوب دفاع عن النفس يقتل عشرات الآلاف من المدنيين، ويعرّض المصالح الإسرائيلية والأمريكية حول العالم للخطر، كما تقول الحكومة الأميركية. فبعد 7 أكتوبر، أوّلت الإدارة الأمريكية «مساندة إسرائيل» في البداية على أنها دعم لأي شيء تُقرر الحكومة الإسرائيلية القيام به من أجل الرد. ولكن من حقها الآن أن تقول إن التزامها هو تجاه الشعب الإسرائيلي وليس تجاه حكومة تعمل ضد مصالح شعبها. كما أن أمر إجراء انتخابات جديدة منوط بالإسرائيليين.
والأكيد أن الجيش الأميركي يمكنه أن يدافع مباشرة عن إسرائيل من أي هجمات، على غرار ما فعل مؤخراً حينما انضم إلى الحكومات البريطانية والفرنسية والأردنية للمساعدة على إسقاط الطائرات الإيرانية المسيّرة والصواريخ التي أُطلقت مباشرة على إسرائيل الشهر الماضي. فقد شاركت سفن وطائرات أمريكية مباشرة في ذاك الدفاع ويمكنها أن تواصل تلك المشاركة. بل إن الحكومة الأميركية يمكنها، بإذن من الحكومة الإسرائيلية، الذهاب إلى حد نشر جنود أميركيين على حدود إسرائيل، ولا سيما أن اختيار هذا النمط من الدفاع عن إسرائيل يُعد أكثر اتساقاً مع القانون الإنساني الدولي ومع حماية المصالح الأميركية في الشرق الأوسط وخارجه مقارنة بتوفير تدفق مستمر للأسلحة التي تقتل الفلسطينيين وتدمّر أرضهم.
من أصل المساعدات الأميركية لإسرائيل التي أقرها الكونجرس مؤخراً بقيمة 26 مليار دولار، خُصصت نحو 9 مليارات دولار فقط للمساعدات الإنسانية لغزة. هذا في حين رُصدت 4 مليارات دولار أخرى لتجديد أنظمة الدفاع الصاروخي الإسرائيلية. أما المبلغ المتبقي، وعلى غرار الأغلبية الساحقة من المساعدات الأميركية لإسرائيل، فمن المرجح أن يمكّن الجيش الإسرائيلي من اقتناء أسلحة أميركية في إطار «برنامج التمويل العسكري الأجنبي».
كل هذه الأسلحة تُشترى في نهاية المطاف بأموال ضرائب الشعب الأميركي، والحال أن هذه الدولارات يمكن أن تصرف بشكل أفضل بكثير على حماية أمن الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي وحقهما في تقرير مصيرهما. 

الرئيسة التنفيذية لمؤسسة «نيو أميركا» في واشنطن
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنسينج آند سيندكيشن»