تواصل دولة الإمارات العربية المتحدة جهودها المستمرة في إشاعة روح التسامح والوسطية في المجتمع المحلي، من خلال نشر قيم الثقافة الإسلامية المعتدلة، وتطبيق روح الدين الإسلامي الحنيف الذي يدعو إلى التعايش مع الآخر واحترام معتقده وصيانة ماله ودمه وعرضه والتعامل معه بالتي هي أحسن. وبرغم أن المجتمع الإماراتي قد عرف عبر تاريخه الطويل بالتسامح وقبول الآخر، نتيجة لثقافته الاجتماعية السائدة، فإن التأصيل لتلك القيم وتعميمها يدخل في جوهر مسؤولية الحاكم، الساهر دوماً على مصلحة الأمة، والحريص على أمنها وتعايشها في أمن ووئام.
وقد شكل وعي الحكومة الإماراتية بالتطورات الاجتماعية والثقافية التي شهدها المجتمع، حافزاً إضافياً للسهر على قضية التعايش السلمي والمذهبي والديني، خاصة في ظل توافر العديد من عوامل الاختلاف والانفتاح الناجم عن تعدد المشارب الدينية والمذهبية لأصحاب الديانات والمعتقدات الجديدة على البلاد وساكنيها. من هنا ارتأت حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة أن تواكب المنظومة القانونية والتشريعية لديها، بالعمل على التعريف بالبعد الإنساني للثقافة الإسلامية وإبراز جوانبها المعززة لقيم السلم والتسامح والعيش المشترك، بالوسائل المختلفة على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي.
وبما أن تلك المهمة تتطلب أناساً مهيئين لها من الناحية العقدية والأكاديمية والثقافية والنفسية، عملت قيادة دولة الإمارات على تكوين علماء إماراتيين شباب يجمعون بين التكوين العلمي الشرعي الوسطي الأصيل، والوعي بالواقع والقدرة على التفاعل الواعي معه، والتأثير الإيجابي فيه، حيث شهد مركز الموطأ للدراسات والتعليم تخريج الدفعة الأولى في «برنامج العلماء الإماراتيين» البالغ عددهم 50 طالباً وطالبة، في الوقت الذي فتح فيه باب التسجيل لقبول 30 طالباً إضافيين، بدءاً من العام الدراسي المقبل، وفق الشروط التي يضعها في هذا الإطار. وتعكس أهداف «برنامج العلماء الإماراتيين»، من بين أهداف عديدة، المساهمة في الأمن الروحي للمجتمع الإماراتي، والتأسيس الإيجابي في مختلف المجالات العلمية والاجتماعية، وتوسيع الإشعاع الديني والروحي والفكري المتزايد لدولة الإمارات في العالم الإسلامي على الصعيد الدولي عموماً، فيما يسعى البرنامج إلى أن يجعل من الشباب، الذين يتصدون للقضية الدينية عموماً، أشخاصاً قادرين على الإجابة عن كل الأسئلة المطروحة في عالم اليوم، خاصة منها تلك التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالنهضة والتنمية الشاملة وترسيخ قيم التعايش السلمي.
إن تركيز دولة الإمارات على التعامل مع الجانب الديني ينطلق من وعي قيادتها بجملة التحديات التي يواجهها العالم الإسلامي اليوم، على يد الجماعات الدينية المتشددة، أو عن طريق المشككين في رسالة الإسلام التنويرية وقدرته على استيعاب الشعوب والديانات المختلفة. ولذا فإن دولة الإمارات تريد مواصلة الدور الحضاري للأمة العربية الإسلامية، الذي تمكنت من استعادته وتَمثُّله خلال السنوات الأخيرة من خلال سياساتها الحكيمة، بتشجيعها للعلوم والثقافة والأدب والإبداع. فصورة المسلم الحقيقي التي تعمل الدولة على تقديمها للعالم، تجمع بين الإيمان بالوطن والأمة والتشبع بالأصول والثوابت والقيم، إضافة إلى الانفتاح على العالم بكل ثقة ومسؤولية ووعي بمضمون الرسالة الإنسانية التي توحد الجميع، وتحرص على مراعاة احتياجاتهم وتحترم خصوصيتهم.
ولكي يصل العالم الإماراتي إلى هذه المرحلة من النضج والوعي الحضاري، فإنه مُطالَب بأن يتشبع بما يعرف بـ «فقه الواقع» إلى جانب العلوم الشرعية التقليدية، كعلوم القرآن وعلوم السنة وعلم التفسير وأصول الدين والعقيدة وعلم الكلام، ولهذا تمت مراعاة هذه المسألة بدرجة كبيرة في «برنامج العلماء الإماراتيين»، وذلك بتضمينه عدة مساقات تتناول مادة صناعة الفتوى في أصول الفقه، ومادة تحقيق المناط، التي تُعنى بالاجتهاد التنزيلي وعدم الاكتفاء بقراءة كتب التراث، بل معرفة مدى تناسب الفتوى مع الواقع المعاصر ومدى مناسبته للزمان والمكان.
*عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.