عندما شاركت في الاحتفال الأخير الذي يكمل الاحتفالات بمرور مائة سنة على إنشاء جامعة القاهرة تذكرت أشياء كثيرة، أولها هذه المرأة التي كانت السند الأول لإنشاء الجامعة التي تبنتها طائفة من رجال مصر الذين أدركوا أهمية الجامعة ودورها المستقبلي· والطريف أن هذه المرأة لا يزال اسمها محفورا على مدخل كلية الآداب في كتابة فنية جميلة تؤكد أن الكلية أنشأتها المغفور لها الأميرة فاطمة إسماعيل ابنة الخديوي إسماعيل وأخت الأمير فؤاد الذي رأس لجنة تأسيس الجامعة وعمة السلطان عباس حلمي الثاني الذي بدأت الجامعة في عهده، بعد حفل الافتتاح الذي أقيم في شهر ديسمبر ·1908 الغريب أنني لم أكن أعرف اسم السيدة التي دعمت الجامعة بالمال والأرض، وتبرعت لها بمجوهراتها إبان الأزمة التي كادت توقف عملية إنشاء الجامعة، ولذلك دخلت كلية الآداب ولا أعرف صاحبة الفضل في بنائها· والأطرف أنني كنت أسمع زملائي من أبناء الكليات الأخرى في جامعة القاهرة يطلقون على كليتي اسم فاطمة، ولا أدري ما الذي جعلني أتوهم في أول الأمر أن تسمية ''كلية فاطمة'' هي تسمية جاءت من جمال طالبات كلية الآداب، وأن ذكور الكليات الأخرى يأتين إلى كافتيريا كلية الآداب لجمال بناتها، وأن هذا سبب التسمية باسم ''كلية فاطمة''· وظللت على جهلي طويلا إلى أن تخرجت، وأخذت أهتم بتاريخ مصر بوجه عام، والجامعة بوجه خاص· وكانت النتيجة معرفتي بأن الدعوة إلى إنشاء الجامعة المصرية بدأت منذ مطلع القرن العشرين، وذلك بأقلام الذين أدركوا الأثر الذي تركته الجامعات في أوروبا، فذهبوا إلى أن النهضة المصرية لن تكتمل إلا بإنشاء جامعة· وكانت في أذهان هؤلاء نماذج من الجامعات البريطانية أكسفورد، كمبردج، وغيرها، والفرنسية وبخاصة السوربون والإيطالية، حيث عاش الأمير فؤاد في كنف ملكها، وأتقن لغتها وكان جرجي زيدان أول الدعاة في مجلة ''الهلال'' وتبعه كثيرون، منهم مصطفى كامل في جريدته ''اللواء'' وجاء بعده الإمام محمد عبده الذي سعى لإقناع الأثرياء من كبار الملاك الزراعيين بالتبرع بمساحة الأرض التي يمكن بناء الجامعة عليها· وفي سياق هذه الدعوات، تشكلت لجنة خاصة برئاسة الأمير أحمد فؤاد السلطان والملك بعد ذلك ضمت سعد زغلول وقاسم أمين وعبد الخالق ثروت وغيرهم من رواد العلم والاستنارة، وظلت لجنة إنشاء الجامعة بلا دعم مالي كاف إلى أن وصلت حبالها بالأميرة المستنيرة فاطمة إسماعيل التي أعطت الجامعة بلا حدود، وكانت أموالها السبب في اكتمال الأبنية التي كان أولها مبنى كلية الآداب الذي تخرجت منه، فأصبحت منتسبا إليه، عارفا فضل الأميرة فاطمة إسماعيل، مفتخرا بكليتي التي هي ''كلية فاطمة'' العظيمة لا الجميلة