رغم التحذير والنذير، وشر الحوادث الذي بدأ يلهب الصدور في كل بيت، فإن بعض الغافلين والمتساهلين والمستهترين، والهازئين بكل القوانين والنظم ما زالوا يهيمون في الشوارع ويثيرون الرعب في نفوس الآمنين، فلا يردعهم رادع، ولا يمنعهم وازع، فهم مرضى بحق، يعانون من عقد نقص وهوان داخلي، يريدون أن يفرغوا هذا العذاب النفسي في الشارع وعلى حساب الناس رغم أنف كل الإشارات والتوضيحات وعلامات تنظيم السير· هؤلاء يريدون أن يمتلكوا الشوارع، وأن يحتلوا الطرق لتصبح ساحة خالية لا تضم إلا سياراتهم، ولا يسير فيها سواهم· هؤلاء كائنات بشرية بقلوب حجرية تيبست وتصلبت بفعل أرزاء ذاتية، يسحقون الأسفلت بحماقات شرسة ومفترسة، ويسحلون الأرصفة بهستيريا فجة وفظة وغليظة، يتصورون أن السرعة الفائقة حتى في حالات عدم وضوح الرؤية بسبب الغبار أو الضباب، مهارة وشطارة وجدارة لا يستطيع أي فرد أن يجيدها، لذلك فهم فخورون بما يفعلون، معتزون بما يتصرفون، غير آبهين بالنتائج الوخيمة التي قد تنتج في أي لحظة زلل، فتهلك وتفتك وتزهق أرواح أبرياء لا ناقة لهم ولا جمل بهذه التجاوزات المريبة· ظاهرة الاستخفاف أصبحت منظورة، وهي مشهد يومي نراه في كل مكان من شوارع مدننا، ويتحسر الإنسان على هذه الشوارع الفسيحة المليحة الرائعة التي لا يحترمها هؤلاء ولا يقدرون نعم البلد الذي يسيرون على ترابه· يأسف الإنسان عندما يرى الحدائق الغناء التي تملأ فضاء المدن وقد عبثت بها سيارات المتهورين ونسفتها وحولتها الى أنقاض وأطلال، يشعر الإنسان بالألم عندما يرى الأذى يصيب أناساً كل ذنبهم أنهم مروا بالصدفة في شارع ما، في الوقت الذي كان بعض الجهلة يمارسون رياضة الموت، فيقتلون ويجرحون ويهشمون، وعندما تتحقق في المشهد تشعر وكأنك في ساحة حرب، حيث يتم إحصاء القتلى والجرحى والخسائر المادية· مسألة محيرة وفي غاية الغرابة، الأمر الذي يجعلنا نقول ونهيب برجال الشرطة والمسؤولين أنه لا يكفي كل هذه النظم مع مرضى فقدوا العقل والبصيرة، بل لابد من عرض هذه الحالات على مختصين في علم النفس لعلاجهم إن تتطلب الأمر، حمايةً لأرواح الناس وحفاظاً على مقدرات الوطن· وأقترح لو أن إدارة المرور خصصت فرعاً للدراسة النفسية لكل سائق ودراسته دراسة علمية قبل أن يفوز برخصة السياقة· المسألة تعدت فهم تقنيات السياقة وأصولها، بل هي مرتبطة ارتباطاً كلياً بالنفس البشرية، فلا أعتقد أن سائقاً حاز رخصة السياقة وبعد معاناة وتدريب مضنٍ يكون جاهلاً فنون السياقة· الأمر متعلق بالنفس البشرية، وهي معضلة لا يحلها إلا قسم مختص بالكشف الصحي عن الأمراض النفسية التي قد يعاني منها بعض الأشخاص· أتمنى أن يصبح هذا الرأي أمنية قابلة للتطبيق، وخاصة أن إدارات المرور في بلادنا لم تدخر أي وسيلة إلا وقد طرقت بابها، سعياً منها للحفاظ على الأرواح والممتلكات، وتأمين الحياة الآمنة المستقرة لكل الناس، إنه دور رائد ومثمَّن نتمنى استكماله بوضع الدراسات النفسية للحالات الشاذة كحل يساعد على رفع مستوى اللباقة لبعض السائقين·