مريم الساعدي أفكر أن عليّ القيام بأشياء كثيرة، لكن لا وقت لديّ. أريد مثلا أن أنتهي من قراءة الكتب المتراكمة في مكتبتي لأقتني غيرها، وأن أتسجل في نادٍ صحي لاستعادة اللياقة بدل اللهاث مثل مدخن عجوز إذا صعدت سلماً إلى الطابق الأول. وأريد مثلا أن ألتحق ببرنامج ماجستير يشحذ ذهني الذي أوشك على الخمول وينفعني في استكشاف آفاق مهنية جديدة، أفكر في أشياء مثل هذه وأشياء أخرى لكن دوما أتراجع عن هذا التفكير لإحساسي بأن لا وقت لدي. وأنا أجلس الآن أحاول أن أفكر بماذا أنا منشغلة حقا؟ أتطلع حولي أكوام من كل شي، الكتب، أجهزة كثيرة، أكياس تسوق، أحذية، حقائب، كريمات، أدوات ماكياج، ملابس وعباءات لا يتسع لها الدولاب، أكواب قهوة مختلفة الأشكال والأحجام، دفاتر جميلة لكن لا أستخدمها لأني اعتدت الكتابة على الكمبيوتر، أشياء مادية كثيرة، يزدحم بها مكان معيشتي. وفي مكان عملي يزدحم المكتب بملفات، أوراق، قناني ماء ( وكأني في رحلة صحراوية أخشى الموت عطشاً!) في سياراتي أيضاً كتب، مجلات، فردتا حذاء مختلفة في حالة أردت تغيير ما أرتديه، مخدات للظهر، نظارات شمسية بعدسات غامقة وأخرى فاتحة كلٍ لحالة جو ومزاج مختلف، أشياء كثيرة، متكدسة حولي أينما حللت. حقيبة يدي أيضاً أحرص أن تكون كبيرة الحجم لتسع كل ما قد أحتاجه وكأني ذاهبة في رحلة طويلة، فتكون ثقيلة بمحفظة النقود (الخالية غالبا) ومحفظة البطاقات، وشنطة المكياج، ودفتر ملاحظات، والنظارة الطبية، وكتاب عربي، وكتاب إنجليزي، وترجمان إلكتروني في حالة احتجت ترجمة كلمة وأنا أقرأ بالإنجليزية، وكاميرا صغيرة إذا أدهشني موقف وأردت تخليده ولم تُجدِ كاميرا الموبايل نفعاً كعادة تعطل الأجهزة حال احتياجي لها، وجهاز آيفون لا أجيد استخدامه على أمل أن أكون في موقف ممل يوماً وأتسلى بالتعرف عليه، وكريمات الشمس وترطيب اليدين ومقصات أظافر، كل شيء في حقيبتي ينقصني فقط مخدة وسرير وتصير غرفتي في حقيبتي! أشعر بالازدحام، وبأنني ممتلئة، ولا وقت لديّ. كل هذه الأشياء التي تزحم المحيط المكاني حولي حجبت عني الرؤية وولّدت لديّ شعورا زائفا بالانشغالات دون أن أنتبه. ترتيب الأشياء من حولك، التخلص مما لا تحتاجه، الاحتفاظ بما تستعمله فعلاً فقط، السير خفيفاً، العمل خفيفاً، العيش خفيفاً، ليست فقط عملية ترتيب مكانية لتجد طريقك وأنت تسير ولتجلي الأفق أمام بصرك هي أيضاً تساعدك على شحذ بصيرتك وتمنحك مساحات شاسعة داخل الروح، مساحات خصبة مهيأة لأن تزرعها بالمفيد من المحصول، وليس بما تحمله لك الريح من كل صوب. مساحة روحك الخاصة التي تؤثثها بما تحتاجه فقط، مثل حقل تختار أشجاره بعناية، فيكون متنفساً للقلب، متعةً للعين وراحةً للبصر. أفكر بذلك وأنا أقرر الاعتياد على حمل حقيبة يد صغيرة والتوكل على الله. Mariam_alsaedi@hotmail.com