لم يستقر بي الحال كثيرا في "برسبن" وغادرتها في اليوم التالي إلى الساحل الذهبي أو "الجولدن كوست" والتي لا تبعد سوى ساعة عن "برسبن". كل ما في "الجولدن كوست" يجعلك تشعر بالهدوء والسكينة بعيدا عن صخب المدن الكبيرة، توجهت صوب البحر، وقفت على رمال الشاطئ الذهبية التي جاء منها اسم المدينة لأنها تلمع كالذهب بعد أن تلامسها أشعة الشمس، مشيت على الشاطئ، استمعت لصوت المحيط، ثمة ما يشبه الضحكات، كأنها تنبعث من عمق المحيط، ربما تكون صادرة عن الأمواج الهادئة التي تقترب من الشاطئ بشكل حنون كأنها تعانق رماله وتخشى عليه من أن تسبب له خدوشا عندما تتكسر وتتلاشى بسعادة، ثمة قصة حب بين الرمال والماء، وفي الخلف خضرة تحيط بالمدينة المحصورة بشكل رائع بين الماء وجبال "تامبورين" الخضراء المغطاة بالغابات المطيرة. تركت قصة الحب بين الماء والرمال، وذهبت أبحث عن شيء ما في المدينة، جلت منطقة "سيرفر برادايس" حيث كل شيء عجيب، المطاعم والمقاهي والمحال والفنادق. انتهى بي الحال في فندق بعد بحث جهيد عما يناسب الميزانية المتعثرة، نسبة السياح المتزايدة على مدار العام على هذه المدينة تجعل الحصول على إقامة مناسبة أمراً شاقا إلى حد ما، استكشفت الفندق وعدت لاستكشف المدينة، هناك حركة نشطة للسياح العرب والخليجيين، تعرفهم من نسائهم المنقبات والعباءات السوداء، تبحث عن فسحة لتسترق نظرة على الجمال العربي الأخاذ، فلا تجد على الرغم من أنك تشعر بأنك تسير في شوارع مدينة عربية، وهو ما يجعلك تشعر بألفة سريعة للمدينة. على الرغم من ذلك تلجأ إلى زاوية في مقهى، لتبقى بعيداً منزوياً، ربما لأنك ترغب في البقاء وحيدا، معزولاً، لأن هناك شعورا مبهماً يدهمك، ربما هو شعور بالغربة حتى في المدينة التي ألفتها بسرعة، وربما لأن هناك شعورا بالملل من طول السفر والترحال بلا هدف، ربما بسبب شوق للوطن الساكن فينا ليلا ونهارا ، في الحل والترحال، وربما لأنك تشعر بالضجر من رتابة الحياة، وسكون المدينة حتى لو كان ليلها صاخبا، تشعر بلهفة للمغامرة، فأمثالك لا يبحثون عن وجهات سياحية، ولا عن استجمام واستراحة، إنهم هاربون، مطاردون، يبحثون عما يعيد إليهم وهج الحياة ويشع في ثنايا أرواحهم الأمل، والرغبة في البقاء، يبحثون عما ينعشهم ليشعروا بطعم الحياة كما لم يتذوقوه من قبل. ذلك الشعور يغريك باستكشاف حياة الليل الصاخب في المدينة الهادئة، لأن عليك أن تودع المدينة في الصباح التالي فأمامك سفر طريق طويل لا تعرف نهايته. rahaluae@gmail.com