أحيانا، أقول لنفسي، حين أصل إلى ما يشبه قرارة القرار من الإحباط: لقد اتسع الخرق على الراقع، وتحولت الثقافة العربية إلى كيان يزداد تخلفا يوما بعد يوم، ويشيع الإظلام والجهالة والعداء للاستنارة وحرية العقل أكثر وأكثر، وأكاد أقول لنفسي ما سبق أن قاله أمل دنقل شعرا: ''قلت فلتكن الريح في الأرض، تكنس هذا العفن''· وأفكر فيما فكر فيه هرقل حين طُلب منه تنظيف حظائر الآلهة، فلم يجد أفضل من تحويل مجرى البحر إليها، لكي يقذف طوفان الماء بكل شيء يملأ الحظائر بما يجعلها تستعصي على كل فعل للتنظيف، ولكني سرعان ما أثوب إلى هدوئي وتأملي، وأقول: إن بعد الليل فجرا مشرقا، ولابد أن يشهد وطننا العربي الكبير مشرق النور والعجائب مرة أخرى، ليس من المهم في هذا القطر أو ذاك، فالبداية معدية دائما، والعلاقة بين الأقطار العربية كالعلاقة بين الأواني المستطرقة، هي علاقة قائمة على تبادل التأثر والتأثير، ولذلك فنور التقدم مُعْدٍ، إذا انبثق في قطر انتقل إلى غيره، فالوطن العربي كالجسد الذي إذا اعتل منه عضو تداعت له سائر الأعضاء، ولم يخطئ أحمد شوقي، حين قال: قد قضى الله أن يؤلفنا الجُرحُ، وأن نلتقي على أشجانه كلما أنّ بالعراق جريحٌ لمس الشرق جنبه في عمانه وعندما يمضي بي التأمل إلى هذا الأفق المغاير ينقلب مزاجي الرمادي، ويعتدل، وأستعيد كلمات ناظم حكمت الذي ظل الأمل نافذته التي يتطلع منها، عبر زنزانة، حالماً بزمان واعد، لابد أن يأتي، فكتب لزوجته مذكرا إياها بأن أجمل البحار هي التي لم يرياها بعد، وأن أجمل الأيام هي ما لم يعرفاها، وأن أجمل الأشعار هي ما لم يكتبه بعد· ولقد خرج ناظم حكمت من زنزانته بعد أعوام طويلة، لم يعرف فيها اليأس طريقا إليه ولذلك تبعث ذكراه في نفسي قوة الأمل المتجدد، والرغبة في العمل من أجل الغد، ذلك الذي لا يأتي بالاستسلام، وإنما بالعمل الدؤوب الذي يشترك فيه الجميع بالقدر نفسه، دون تعال من أحد على أحد، ودون ادعاء من أحد بأنه يمتلك الحل السحري، وحده، فالثقافة كالسياسة، في لحظات الأزمة الحادة، لا سبيل إلى الخروج من النفق المظلم إلا بتعاون كل القوى وتوسيع آفاق الحوار والتعاون إلى أبعد حد