الارتفاع الملموس الذي تشهده أسعار الفائدة على الدرهم بين البنوك “الإيبور” يعكس زيادة تكاليف الاقتراض على العملاء، ولكن أسبابه تحمل اتجاهين، إما تراجع السيولة المتاحة للإقراض، أو زيادة الطلب على التسهيلات. الخيار الثاني هو الأقرب إلى وضع السوق المحلية، لأن البنوك حصلت على حاجتها من السيولة الحكومية واكتفت قبل نفاد المبلغ المرصود للدعم، وعادت لمنح التسهيلات بشكل طبيعي. والبنوك تركز في هذه التسهيلات على الأفراد، أي القروض الشخصية، التي في الواقع أكثر ربحية وأقل مخاطرة مقارنة بالقروض الممنوحة للشركات. بيد أن الغلو في تلك القروض يغذي التضخم، ولا يعزز بشكل مباشر النمو الاقتصادي، ذلك أن القروض الشخصية يعاد تدويرها في الاقتصاد على شكل سلع رأسمالية أو استهلاكية غير منتجة، ولا تحمل قيمة مضافة. تعزيز الإنفاق الفردي مهم إلى جانب الإنفاق الحكومي لتحقيق التعافي الاقتصادي الشامل، ولكن هذا لا يعني عدم وجود قيود في تلك المعادلة. وتسارع الزيادة في أسعار الفائدة يعتبر مقلقاً، فمنذ مطلع العام زاد سعر “الإيبور” لأجل 3 أشهر 21.7 %، ولشهرين 22.4 %، والحال واحد لجميع الآجال بنسب متباينة. نتفهم حاجة البنوك لزيادة الودائع، وبالتالي إغراء أصحاب الأموال بفوائد مرتفعة نسبياً، الأمر الذي يرفع بالتالي الفائدة على القروض، للحفاظ على هامش ربحية البنوك. ولكن لا يوجد توازن الآن بين القروض والودائع، فالفجوة لصالح القروض آخذة بالاتساع، ولذلك لا بد من تدخل البنك المركزي لضبط إيقاع التسهيلات، وخصوصاً القروض الشخصية. هذا الأمر ممكن وبشكل لا يسد شهية البنوك عن الإقراض، ولا يضع عراقيل في وجه المقترضين، عبر أدوات السياسة النقدية الكيفية وليس الكمية، أي دون اللجوء إلى أسعار إعادة الخصم والسوق المفتوحة والاحتياطي الإلزامي، ولكن بتحديد حصص وسقوف للقروض الشخصية من إجمالي التسهيلات، كما هو الحال بالنسبة للرهون العقارية. من المؤكد أن “المركزي” يراقب توافر السيولة، وغير مرة أكد أن مستوياتها معقولة، وهذا لا يبرر الارتفاع المتمادي في أسعار الفائدة. هناك بنوك تجاوزت القروض لديها حجم الودائع بشكل لافت، ولم تتوقف بالطبع عن تقديم التسهيلات، رغم أن “المركزي” يحاول الوصول إلى نقطة التعادل بين الجانبين بواقع 1:1، وأخرى متشددة في تقديم التسهيلات للشركات والمؤسسات، ولكنها لا تتأخر عن منح القروض الشخصية. إذا ضبطت القروض الشخصية، لا بد أن تستقر أسعار الفائدة. baha.haroun@admedia.ae