كان الجو بارداً جداً، فما إن خرجت من مطار سيؤول، تدثرت بأسمالي ومشيت قليلاً حتى وجدت من يقلني إلى وسط المدينة، كان يفترض أن ألتقي بشاب يعمل مترجماً خاصاً يفترض به أن يكون رفيقي خلال رحلتي الكورية، وعندما وصلت إلى الفندق الذي شيد على تلة عالية، وجدت صعوبة في التواصل مع الموظفين، إلى أن توصلنا إلى نوع من التفاهم بالإشارات. في المساء، وصلني ذلك الشاب معتذراً؛ لأنه اضطر للعودة إلى القرية لظروف عائلية، قلت له إن تعلم العربية علمه أيضاً عدم الالتزام بالمواعيد، وضحكنا، وبرغم البرد خرجنا إلى جولة في المدينة. الشاب طريف ويبدو أنه تعلم أيضا خفة الدم من المصريين، حيث عاش وتعلم العربية، غير أنه يتحدث الفصحى ولا يفهم الدارجة، وهو ما جعلني طوال الرحلة أشعر بأنني أعيش في مسلسل تاريخي، وربما استخدم كلمات مثل «حقا» و«حسنا» بشكل مسرحي، وهو في خضم حماسه للحديث عن بلاده وعن أن سبب تسمية كوريا بهذا الاسم يعتقد أنه جاء على يد بعض التجار العرب، حيث كانت البلاد تدعى «غوريا» أو «جوريا» ولتسهيل النطق تحولت إلى كوريا واستمر الحال كذلك منذ عام 1890، والتي تعني باللغة الكورية «الجبال المرتفعة» و«البحار المتلألئة». مع ذلك فلا ترى في المدينة أي مظاهر لوجود عربي أو حتى لمرور للحضارة العربية في هذه البقاع من العالم، بل إن الإسلام وصلهم عبر مسلمي شمال الصين في أوائل القرن العشرين وانتشر بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بواسطة القوات التركية التابعة لقوات الأمم المتحدة خلال الحرب الكورية وهناك اليوم ما يقارب نحو واحد بالمائة من عدد السكان من المسلمين في بلد يعيش فيه نحو 60 مليون نسمة تقريبا يعتنق غالبيتهم «اللاديانة» أو مجموعة من الديانات غير السماوية بالإضافة إلى النصرانية. تعشينا في معبد تم تحويل جزء منه إلى مطعم يقدم فقط طعام الرهبان الذي يتكون من الأعشاب والنباتات ولا يدخل في إعداده أي منتج من أصل له روح، ولا أعرف إن كان النادل والعاملين من الرهبان أم أنهم يرتدون كذلك فقط من أجل إضفاء طابع المعابد على المكان. زمهرير الرياح القارية التي تصفر في أذني جعلت رأسي يكاد يتجمد ونحن نعود سيرا على الأقدام إلى الفندق الذي سأقضي فيه بضعة ليال حتى الرحيل صوب الجنوب، ورفيقي الذي يتفاخر بأنه ينحدر من سلالة الهان، لا بد أن يغادر مبكرا في المساء لأن عليه أن يعود إلى منزله البعيد في القرية فيتركني وحيدا في مدينة لا تعرف شيئا عن الإنجليزية. rahaluae@gmail.com