.. وذكرت تقارير الشرطة إن المعتدي ذو ملامح شرق أوسطية”. كان ينبغي أن يطول الوقت لكي تتفرع التفسيرات: البشرة سمراء. الشعر أكرت، واللحية والشنب مهملان. لكن السيد أندريس بيرينغ برايفيك، أعفا الجميع، خصوصاً شرطة أوسلو من التأويل. فهو منسدل الشعر أشقره. أبيض البشرة بعينين زرقاوين. حليق اللحية وغير مشورب. نجت الجاليات العربية والمسلمة في أوروبا، من حملات كراهية عنصرية جديدة. فقد تبيّن أن مرتكب المجزرة المزدوجة في النرويج ليس منهم، بل هو معاد لهم، لدينهم، ولحضورهم في بلاده، معاد بشكل أساسي للتعدد الثقافي. اجتهدت شرطة أوسلو لكي تبيّن أن مرتكب المجزرة يعمل وحيداً، خطط، واستعد، ونفّذ بصفة منفردة. من الواضح أن التقرير الأمني غير معني بما هو أبعد من الملابسات، ليس من اختصاصه سبر أغوار نزعة التعصب الكامنة في أصولية دينية، تظهر على الناس بسحنة عصرية. قبل أكثر من 50 سنة توقع المفكر الفرنسي آندريه مارلو أن القرن الحادي والعشرين سيشهد بعثاً دينياً، وبحكم انتمائه، بدا وكأنه يعطي توصيفاً مقبلاً للديانة المسيحية، التي استكانت ـ أوروبياً ـ أمام سيطرة تيار التنوير وتحكّم العلمانية بالدولة والمجتمع. أجمعت التقارير الصحفية على أن مرتكب المجزرة يأتي، بأفكاره وأعماله، من أصولية كامنة أو سافرة، أصولية بدأت مع محاكم التفتيش الأوروبية التي أثّمت العلم وحصدت رؤوس العلماء وصادرت الكتب، حورب في ظلها غاليليو وديكارت وسبينوزا وجان جاك روسو وفولتير. عزل كوبر نيكوس القائل بدوران الأرض، وأعدم تحت مقاصلها تلميذه جيوردانو برينو والمصلح التشيكي جان هسّ. (لم يلغ المكتب الخاص بتحريم الكتب في الفاتيكان إلا في عام 1965). وفي إسبانيا الكاثوليكية، أصبحت محاكم التفتيش، بعد سقوط غرناطة عام 1492، أجهزة قمع للتعددية الثقافية في حملتها ضد المسلمين، فطالت حتى الذين تنصروا منهم. هذا تاريخ تتعدد فيه المحطات وتحتشد فيه الوقائع. تاريخ مضى لكنه لم ينقض. سوف ترتدي الأصولية الأوروبية مع مطلع القرن العشرين ملابس اليانكي، نقلها إلى القارة الجديدة يهودي مهاجر من ألمانيا اسمه ليون ستراوس (1899 ـ 1973)، بعمل مثابر لتجذير النزعة الليبرالية اليمينية، التي ستحمل منذ عام 1921 اسم (المحافظين الجدد) Neo Conservatives الذي استخدمه ايرفين كريستل والد بيل كريستل مؤسس مشروع القرن الأميركي الجديد. وصل (المحافظون الجدد) إلى البيت الأبيض، مع جورج بوش الابن، مدّتهم هجمات 11 سبتمبر بمرجعية عنصرية لمشروعهم، مجّدوا القوة العسكرية. منحوا أنفسهم سلطة محاربة الإرهاب في جنبات الأرض. قسموا العالم إلى محورين: الخير والشر، في محاكاة لتقسيمة أخرى تقوم على قاعدة “الفسطاطين”. وكما يقول ستيفن هلبر وجوناثان كلارك مؤلفا كتاب “المحافظون الجدد والنظام العالمي”، تبنوا استراتيجية تستند إلى فرض (الأمركة) على العولمة، وزرعوا فكرة “إما أن تكون معنا أو ضدنا”، التي يدينها الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر في في كتابه: “القيم الأميركية المعرضة للخطر”. في ظل هذا الجموح الإمبراطوري الأميركي أصبح التعصب أكثر ضراوة. تخلت الأصولية المسيحية عن مسحة التسامح. في الولايات المتحدة تجرأ قس على الدعوة إلى إحراق نسخة من القرآن الكريم. في وأوروبا أخذت أحزاب متطرفة تخوض الانتخابات على قاعدة التخلص من المهاجرين. ادعى جورج بوش أنه يكلّم الله ويستقي منه التعليمات. خاطب جنوده في العراق بأن مهمتهم هي تكليف إلهي. فهم أندريس بيرينغ برايفيك الدرس. adelk58@hotmail.com