هو الرقم 12. لا يعرف تماما لماذا منح هذا الرقم في سلسلة من واحد إلى 33. لكن إديسون بينيا سوف “يصعد” إلى الحياة موشوما برقمه لبقية عمره. حملته الكبسولة وفق هذا الترتيب الرقمي إلى السطح من أعماق ذلك المنجم الوحشي في تشيلي، الذي احتجز فيه مع رفاقه ما يزيد عن الشهرين. بينيا، عاش في الأعماق في نوع من المطهر. هذا ما كان يدوّنه في رسائله إلى صديقته آنجيليكا آلفاريز. اكتفى رفاقه بكتابة رسائل عائلية، أما هو فقد كان يكتب تجربة خارجة عن كل سياق. تظهر رسائل بينيا، أن علاقته كانت مضطربة مع آنجيليكا. مثل ذلك الاضطراب الذي ينام بين الشركاء داخل الأكواخ الفقيرة في الأحياء المهمشة. كانا يتجادلان عند العشاء. هي تشكو وتلوم وتطالب. وهو يكرع جعته الرخيصة وينفث تبغه الرديء. جاء انهيار المنجم، ليطلق طاقة الغضب داخل بينيا وليعيد اكتشاف علاقته مع شريكته من جديد. يكتب: “لا أستطيع أن أسترخي هنا دون عمل شيء. غضبي يتفجر تجاه هذا الجبل وكل ما يمثله. أريد أن أجعل هذا الجبل يسأم مني، وهو يراني أركض إلى ما لا نهاية. إني لا أدافع عن نفسي ولكني أقاتل من أجل أن أعيش”. اكتشف بينيا أن الركض داخل المنجم هي وسيلته للعيش. راح يركض منتعلا حذاءه المتهالك. وعند السطح كانت انجيليكا تخوض معركتها لكي تنتزع موافقة على إرسال حذاء رياضي مريح له. قال بينيا لحبيبته إنه كان أمام خيار العودة إلى سانتياجو أو البقاء في منجم سان خوسيه، لكن المنجم كان وسيلته الوحيدة للبقاء بالقرب منها. اعتذر منها عن كل نقاشاتهما الممضة. أسف لأنه لم يظهر لها طاقة الحب الكامنة في أعماقه. وعبر عن حزنه لما سببه لها من آلام وهو عالق في تلك المجاهل. وعدها بأنه سوف يصمد لأنه يريد أن يكون معها، لأنه يريد أن يعوّضها عما فاته وفاتها، لأن “الحياة بلا حب تشبه تماما العيش على عمق 700 متر، بلا نور ولا أمل.. ولا وقت”. كأن أديسون بينيا كان في حاجة إلى هذه التجربة لكي يولد من جديد. كانت رسائله آتية من الأعماق.. أعماق الصدر، وليس أعماق الأرض. لم يكن شبيها بالعاشق في قصيدة نزار قباني الذي راح يستغيث: “إني أتنفس تحت الماء.. إني أغرق، أغرق”. ذلك عاشق مجرّد، اصطاده الحب في لحظة اختصرت عمره كله. بينيا لم يجد لحظة لكي يختصر عمره. فقد كان يعيش “بلا وقت” على حد تعبيره. كان طيلة 64 يوما يعيد عيش كل لحظات ذلك العمر. يحب ويغضب. يحب ويركض. يحب ويحلم بالنور، وبذلك الكوخ الذي سيضمه مع آنجيليكا. بدا بينيا في مطهره، واحدا من شخوص إيزابيل ألليندي في روايتها عن رحلة اكتشاف تشيلي. تثخن جسده الجراح ولكنه يغذ السير مع الركب إلى الأرض الموعودة. فوق كانت آنجيليكا تعرف أن شيئا قد تغير في حبيبها. راحت تقول لمن حولها: “إني أرى الغضب في عينيه. أعرف أنهم سوف يتركونه لي قطعا متناثرة وعليّ أن أعيد تجميعها. أنا وكل النساء المنتظرات هنا، سوف نقضي السنوات الخمس المقبلة، ونحن نحاول إعادة تجميع نثار رجالنا”. الأسبوع الماضي تزوج أديسون بينيا وآنجيليكا آلفاريز.. ولعلهما في كوخهما البائس الآن، يعيدان تركيب ما تناثر من حياتيهما... عادل علي adelk58@hotmail.com