اليوم وبعد مرور كل تلك السنين، وبعد كل تلك الأميال التي قطعتها لا تزال تعيش في أوهامك، لا تعرف وجهتك المقبلة، وقد سئمت البقاء من غير ترحال فتركب سيارتك وتطلق لها العنان، تتجه نحو الغرب، تجد نفسك تقطع فيافي البلاد، تصل إلى المنطقة الغربية، قصر السراب على يمينك لكنك تكمل المسير، تصل إلى بدع زايد، غياثي، ليوا.. تهرب من الأقدار، ومن ذاتك الضائعة الهائمة في زحام الحياة، وبين حطام الفؤاد المفطور، تجد السلوى في الرحيل، وتشدك تلك الواحات بين رمال الصحراء، وتعبر شارع المليون حتى تتوقف في فندق تلال ليوا.. تجلس مع نفسك، قريباً من حوض السباحة الأزرق المحاط بكثبان الرمال الصفراء، تنعزل وسط هذه الصحراء، وتجد نفسك تعيش بين براثن الخوف والضياع وهواجس النفس المحطمة المدمرة التي أحدثت فيها بأفعالك شروخاً عميقة، لأن خطاياك وآثامك ما هما إلا نتاج طبيعي لوجودك في هذه الحياة، إنه قدرك الذي لن تستطيع الهرب منه مهما حاولت، إنها أشباح الماضي التي ستبقى تطاردك. ومن بعيد ترى تلك الحسناء المتلفعة بالسواد، وجهها يشع بياضاً وعيناها السوداوان يجبرانك على الغوص في غموض بحرهما اللجي، قد يتآكل فؤادك ويعتصره الألم والندم، لكن زمن الحسرة والندامة قد ولى وأفل، وقد فات ما فات، هاهي قادمة باتجاهك، مشيتها، عباءتها، حركة يديها، وهي تتحدث في الهاتف، ها قد حان الوقت لتستعيد ذاتك، وتستعيد الحب الذي ضيعته، فتغرق في أحلام اليقظة مرة أخرى، فلا بد أن فتاة بهذا الجمال هي من تبحث عنه.. تضطرب نفسك وتتسارع دقات قلبك كلما اقتربت الحسناء، تشعر بأن روحك تكاد تقفز من جسدك، عندما تختار الفتاة كرسياً قريباً مقابلاً لك وليس بينك وبينها سوى خطوات منك، لكنك لا تجرؤ على الاقتراب لمحادثتها، وتبقى متسمراً في مكانك تعيش في أوهامك وأحلامك.. فجأة يقترب طفل من الحسناء لتكتشف أنها أمه ويلحق بهما بعد قليل شاب لا ترى فيه أي مؤهلات ليحظى بمثل هذه الجميلة.. تتقوقع على نفسك وتصاب بخيبة أمل، وتعود للوم النفس، لأنك ضيعت الحب، فلم يعد كل الندم الذي يوجد في هذه الدنيا كافياً لتشعر بالتحرر مما أنت فيه، لم يعد فرصة للبحث عن خلاص عاطفي، وعن ترميم للحياة الممزقة المنذورة دوماً للخطر والمغامرة التي ترمي بنفسك في أتونها في سعيك الدائم من أجل استعادة الذات المشتتة التائهة في غابات الخيانة وصحراء الوحدة القاتلة، والتي توقن أنك لن تستطيع استعادتها، أو إنقاذها لأن حياتك باتت تتحول إلى خيوط من العجز والضعف والهوان منجرفة ببطء نحو الهاوية، ومهما فعلت ستبقى مسكوناً بحب ضائع إلى الأبد، لأن لعنة أصابتك تصيب بها كل ما تقترب منه أو تلمسه.. فتلجأ إلى الأوهام لتعيش بداخلها، لتمارس ارتباطك الفطري بالبحث عن تجارب أخرى.. rahaluae@gmail.com