يتذكر كثير من الكتاب والإعلاميين والمثقفين عقد الثمانينيات والنصف الأول من التسعينيات من القرن الماضي ببهجة وأسى في الإمارات، ويدعمون الإحساس الأول بزخم النشاط وكثرة الإقبال على فعاليات المؤسسات الثقافية، وبالمتابعة الإعلامية الحثيثة والمتنوعة للحراك الثقافي، أمسية، محاضرة، ندوة، صدور كتاب، معرض تشكيلي، ويمتدحون سقف النقد الذي كان متاحاً، والنقاش الثقافي المفتوح على مصاريعه، وبالرغبة المخلصة في العمل الثقافي والإعلامي، أما الأسى، فيذكرون عكس هذا، ترى ما الذي حدث؟ ولماذا غابت أصوات إبداعية وتوقفت أخرى؟ ولماذا ضاق هامش الحوار بين المؤسسات الثقافية والإعلامية؟ هل بسبب اختلاف العنصر البشري الثقافي الإعلامي، أم بسبب أريحية المؤسسة الثقافية؟ أم يعود إلى التغييرات الإقليمية العامة؟ هناك حقيقة واضحة قد يلاحظها المتتبع الموضوعي والجريء أيضاً على الصعيدين الإبداعي والإعلامي، هي أن الأصوات الجديدة التي ظهرت في التسعينيات لم تستطع حتى الآن إثبات وجودها على الرغم من توقف جزء كبير من أصوات الجيل السابق، وبقراءة نماذج من هؤلاء يتبين لنا أنها لم تستفد من التراكم الإبداعي الذي كونه جيل الثمانينيات، فتكتب بشيء من التلعثم والارتباك، وهذه الأصوات إما أنها لم تقرأ نتاجات من سبقها أو أن مواهبها متواضعة، علماً أن أصوات الجيل السابق تأسست على إبداعات عربية وعالمية، وهو ما لا نراه في الأصوات الجديدة، أي هناك فجوة ما في تأسيس الشخصية الإبداعية تعوق تحقيق التجاوز المطلوب، أما في الشأن الإعلامي، فالإعلام الثقافي حاليا متأخر كثيراً عن الحراك الإبداعي لنتاجات الجيلين معا، فالتغطيات سريعة وسطحية، يتشابه خبر المحليات مع الخبر الثقافي، أما بالنسبة للإصدارات، فحدث ولا حرج، ونصاب بدهشة عارمة حين نحصي عدد الروايات والمجموعات القصصية أو الدواوين الشعرية الجديدة التي لم نسمع بها، هل التقصير من الكتاب أم من المؤسسة الثقافية أو الإعلامية، أم من دور النشر؟ فكل المؤسسات الثقافية والاتحادات المعنية بالنشر لا تقوم بالترويج للإصدارات الجديدة، وتبحث دائماً عن مساحات لتخزين الكتب، وهو عكس ما كان يحدث في الثمانينيات أو التسعينيات، فماذا حدث؟ هل المطلوب مجالس إدارة جديدة أم إعادة هيكلة؟ أم المطلوب أن تتوقف المؤسسات الثقافية عن احتكار الخبر والتغطية والمتابعة الإعلامية؟ أي أن تطلق أيادي الصحفيين في التغطية، فلا ينتظرون وصول الأخبار إلى بريدهم الإلكتروني، أعتقد أن الأمر الأخير مهم جدا، فماذا تستفيد المؤسسة الثقافية وهي ترى موضوعاً منشوراً نسخة طبق الأصل في الصحف جميعها؟ يحدث كل هذا على الرغم من كثرة الفعاليات وامتدادها، وتوافر الإمكانات والمباني، وتوافر العنصر البشري الكمي، والتنسيقات مع مؤسسات عالمية، ورعاية أخرى وكثرة الجوائز، أي لدينا بيئة ثقافية تضج بالحركة، فلماذا لا يجد هذا التوهج صداه في الإعلام؟ وأين الإعلام المرئي من كل هذا الزخم الثقافي والإبداعي؟ تساؤل يستحق البحث عن إجابة. أنور الخطيب | akhattib@yahoo.com