الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإيرانيون وأميركا.. خلفيات تاريخية

12 مايو 2018 23:04
هذا الأسبوع، أكد الرئيس دونالد ترامب عزمه على أن يكون الرجل الذي يمكنه تمزيق نصوص الاتفاقية النووية مع إيران. لكنّه عمل عن غير قصد على الإسراع بتكريس الظاهرة المتفاقمة بدلاً من العمل على إبطائها، وتتعلق ببروز إيران كقوة جيوسياسية في عالم لم تعد مهمة إعادة تشكيله تعتمد على المصالح الأوروبية والأميركية وحدها. ويبدو أن مدى فهم ترامب لأبعاد ما فعله منذ بضعة أسابيع عندما أشعل فتيل حرب تجارية مع الصين، محدود بشكل واضح. وهو يظهر وكأنه ينتمي إلى طراز من أجيال الرجال الأميركيين المأخوذين بالخوف من هزيمة فيتنام والصدمات النفطية التي شهدها عقد سبعينيات القرن الماضي، وهو الذي سبق أن شعر بالغضب من إقدام أزلام ثورة الخميني في إيران على اختطاف عدد من المواطنين الأميركيين واحتجازهم لأكثر من عام. وحتى بعد هذا الذي حدث، لم يقتنع أولئك الذين عملوا على تغيير الأنظمة في بلدان لا يعرفون عنها إلا القليل، بأن العهود الاستعمارية قد أتت على نهايتها، وبأن الحدث الأساسي الذي سُجّل خلال القرن العشرين كله قد تجلى بنهاية الإمبراطوريات الاستعمارية الغربية واستعادة معظم شعوب العالم حقَّها في العيش الحرّ الكريم وفي المساواة في ظل سيادة الدول الوطنية. ولم يفهم أولئك لماذا تأخرت إيران كثيراً عن إنهاء الاستعمار حتى جاء زمن التصدي للطوفان الغربي. ودعنا نتذكر أن الإيرانيين ظلّوا لعدة عقود ضحايا الحرب الباردة عندما عمد الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة على احتواء بعض الأنظمة في العديد من دول آسيا وأفريقيا. وتميزت إيران في ذلك الوقت ببروز دور القوميين الوطنيين خلال الحرب العالمية الثانية. إلا أن هذه الحركة ووجهت بقسوة عن طريق انقلاب عسكري مدعوم من وكالة المخابرات المركزية الأميركية عام 1953، أدى إلى عزل رئيس الوزراء المنتخب ودعم الشاه «محمد رضا بهلوي» وتنصيبه مجدداً على رأس سلطة بلا حدود. وشعر عشرات الألوف من الأميركيين الذين كانوا يعيشون في طهران، كمستشارين للشاه أو كعاملين في السجون التابعة للشرطة السرية، بالعداء الشديد لهم وللشاه ولمؤيديه. إلا أنهم لم يحظوا بمساعدة «الصحفيين المبتدئين» الذين فضلوا غضّ الطرف عن سلوكيات الشاه الاستبدادية. ويمكن لهذا النوع من السذاجة والإهمال الصحفي أن يفسر سبب اندلاع ثورة الخميني عام 1979، حيث أصابت الشعارات المناهضة للأميركيين، والتي نادى بها مؤيدو الخميني، صناعَ القرار والرأي العام في الولايات المتحدة بالصدمة. ولم يبقَ أمام الأميركيين المحبطين إلا مساعدة صدام حسين على مهاجمة إيران، ما عزّز سلطة دعاة «الثورة الإسلامية» في طهران. وتمكن هؤلاء من القضاء على الحركة الإصلاحية الليبرالية في العقد الأول من الألفية الثالثة، وهو ما دفع الرئيس بوش الابن لضم إيران إلى «محور الشر». ولم يكن من المفاجئ بعد ذلك أن يساعد وصول الإيرانيين إلى بغداد لتحويل العراق إلى دولة واقعة بالفعل تحت نفوذهم. ولا نجد ثمة من داعٍ لسرد ما حدث خلال تلك السنوات من تبنّي الأميركيين لسياسات مبنية على الصدام المسلح غير محسوب العواقب، سياسات أدت في النهاية إلى تأجيج المشاعر الوطنية عند الإيرانيين وكرّست من قوة نفوذهم وتأثيرهم على بعض القوى والفئات في المنطقة. واليوم، يتواصل هذا النفوذ ويزداد انتشاراً، بالرغم من الضائقة الاقتصادية الخانقة التي يشعر بها الإيرانيون نتيجة العقوبات الغربية. كما يبدو أن الجهود الهادفة إلى إحداث انقسام سياسي في أعلى مراتب السلطة في إيران فشلت حتى الآن، وتجلى ذلك باعتقال قائد الثورة الخضراء «مير حسين موسوي». وحاول الرئيس باراك أوباما إصلاح بعض الضرر الذي تسبب به الرؤساء غير الأكفاء الذين سبقوه. وجاءت الاتفاقية النووية بهدف منع إيران من تحقيق المزيد من الأطماع التوسعية في الشرق الأوسط وبغية الإبقاء على احتكار إسرائيل للقوة النووية في المنطقة. وكانت هناك دائماً توقعات عبثية أميركية بأن إيران ستنأى بنفسها عن إثارة الحروب بالوكالة في الشرق الأوسط، وبأنها ستترك المجال للدول العربية لتقرير مصير الحرب في سوريا واليمن! والآن، يحاول ترامب إعادة النظر في الدور الأميركي في الشرق الأوسط، وبحيث يضمن إعادة الإيرانيين على أعقابهم. ولا شك في أن الاقتصاد الإيراني سوف يعاني من العقوبات الجديدة التي فرضها عليه، إلا أن الأوروبيين يمكن أن يستغلوا الفرصة ويتحللوا من هذه العقوبات، كما أن العلاقات الاقتصادية والسياسية الإيرانية القوية مع الصين والهند، يمكن أن تخفف من الضغط على إيران. ثم إن هذه الدولة التي تمكنت من تحقيق تطور في المجال العلمي، رغم عزلتها الدولية، ليس من المؤكد أنها ستنهار بالسهولة التي يتوقعها بعض المسؤولين الأميركيين. ويمكننا أن نتذكر أن العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة على الهند وباكستان لم تكن كافية لمنع البلدين من تطوير قدرتهما على بناء الأسلحة النووية. وعلى كل حال، فقد أثبت أسلوب العقوبات الاقتصادية الهادفة إلى إكراه بلد ما على تغيير سياساته نحو وجهة معينة، أنه أسلوب غير مجدٍ كثيراً. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس» *كاتب أميركي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©