الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

موقف غريب من ضرائب المشروبات الغازية والطاقة !

موقف غريب من ضرائب المشروبات الغازية والطاقة !
20 أغسطس 2018 00:44

«في هذا العالم لا يوجد شيء مؤكد سوى الموت والضرائب»
بينجامين فرانكلين، مفكر سياسي أميركي راحل

لا يمكن وصف احتجاج دول أوروبية ومعها الولايات المتحدة على قيام عدد من الدول الخليجية بفرض ضرائب على المشروبات الغازية والطاقة، إلا بالغريب. وهو كذلك لأن الأمر لا يتعلق بجباية الأموال للخزائن العامة بقدر ما يرتبط بالحفاظ على الصحة العامة، وتخفيض استهلاك هذا النوع من المشروبات التي أثبتت الدراسات الطبية العالمية، أنها عامرة بالسكريات التي تسبب بدورها البدانة وتجلب الإصابات بمرض السكري. والكل يعرف، أن الحكومات الخليجية التي فرضت هذه الضريبة، انطلقت من جانبها الصحي وأثره على المستهلكين. والمشروبات الغازية، بما فيها تلك التي يطلق عليها «مشروبات الطاقة»، استُهدفت في الواقع من قبل المؤسسات الحكومية في غالبية بلدان العالم، التي استندت إلى أبحاث ودراسات وتقارير طبية مختلفة، بل نشأت في بعض الدول مجموعات ضغط سياسية واجتماعية للحد من استهلاكها.
أمام هذه المعطيات، يبدو غريباً اعتراض الدول الأوروبية والولايات المتحدة على الخطوة الخليجية، خصوصاً إذا ما عرفنا أن حكومات عدد من البلدان الأوروبية نفسها، فرضت ضرائب مماثلة على المشروبات الغازية، بل مضت أبعد من ذلك بفرض الضرائب على المنتجات التي تحتوي نسب مرتفعة من السكريات. وهي الآن تستهدف الوجبات السريعة، بسبب ما تحتويه من سكر ودهون. وتجمع المؤسسات الصحية العالمية والمحلية، على حد سواء، على أن المشروبات المشار إليها والأطعمة السريعة تضر أكثر ما تضر الأطفال والمراهقين، ولا سيما بعد أن أثبتت الإحصائيات ارتفاع عدد المصابين من هذه الشريحة بأمراض السكر والبدانة وما يرتبط بهما. ومثل هذا التحرك الذي يستهدف الحفاظ على الصحة، يسعى أيضاً لتخفيف الضغط على الخدمات الطبية العامة، وخفض الإنفاق على الأدوية المعالجة لأمراض يمكن تفاديها ببساطة وبسهولة.
لكل هذا وأكثر، لا يوجد أي مبرر لاحتجاج الدول المشار إليها على الخطوة الخليجية، إلا إذا اعتبرنا أن ذلك سيؤثر على مبيعات الشركات التي تنتج المشروبات وغالبيتها أوروبية وأميركية. لكن هذا المبرر لا يمكن أن يدخل ضمن نطاق أخلاقي أو إنساني. فالهدف الرئيسي هو الحماية الأمثل للصحة العامة، وخصوصاً للأطفال والمراهقين. أما ما يرتبط بذلك من عوائد مالية، وأضرار تصيب المنتجين فيبقى ثانوياً أمام الهدف الأسمى. ولذلك، ظهرت أصوات من منظمات المجتمع المدني في غير بلد أوروبي تستغرب احتجاج الدول الأوروبية على وجه الخصوص. بل طالب بعض ممثلي هذه المنظمات بضرورة توجيه الشكر للدول الخليجية التي اعتمدت الضريبة، وتشجيع غيرها من الدول لتحذو حذوها. فالمسألة برمتها، أخلاقية اجتماعية إنسانية.
لا يمكن التعاطي مع هذه القضية من منظور تجاري. وعلى الدول الأوروبية التي تقدمت اجتماعياً على صعيد الرقابة الصحية العامة، أن تعيد النظر في موقفها هذا، وهي أول من يعرف نجاعة الضرائب على المشروبات الغازية والطاقة، لأنها من البلدان التي تعاني منها على الصعيد الصحي والاجتماعي أيضاً.

محمد كركوتي

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©