الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحوار الأميركي - الروسي المفقود

14 نوفمبر 2017 22:21
ثمة شيء ما يجعل المواجهة الحالية بين روسيا والولايات المتحدة أسوأ من الحرب الباردة، وهذا الشيء هو وجود لغة مشتركة بين نخب القوى العالمية. وقد حدث ذات مرة أن كان المسؤولون الدبلوماسيون الأميركيون والسوفييت قادرين على التواصل العملي، حتى وإن كان قادتهم يحافظون علانية على خطوطهم الخطابية منفصلة. وقد وصف هنري كيسنجر نظيره السوفييتي «أندريه جروميكو» بأنه «خصم وزميل وصديق، في آن واحد». وقال كيسنجر وهو يتذكر جروميكو: «لقد حاولنا منع نشوء وضع يحتم على القادة السوفييت اتخاذ قرارات فجأة. وحاولنا أن نبلغهم في وقت مبكر عما نفكر فيه ولماذا. وسأحاول أن أقول لجروميكو «إنني لا أعرف حتى الآن ما الذي سنقترحه، لكنني سأخبرك بما نفكر فيه». وبعد فترة من الوقت، أبدى جروميكو نفس الاتجاه. ولكن اليوم، نجد أن هذا النوع من التواصل مستحيل. فقد أصبح الاجتماع مع الروس ساماً، ويحتمل أن يؤدي إلى إنهاء العمل، لذا فإن الاتصال ضئيل ورسمي. والمفاجآت غير السارة من النوع الذي كان كيسنجر وجروميكو يحاولان تجنبه أصبحت الآن هي القاعدة. تماماً كما يحاول شعب موسكو تبين النوايا السياسية خلف تغريدات دونالد ترامب، تحاول المؤسسة الأميركية تجميع الاستراتيجية الروسية من التصريحات العلنية لفلاديمير بوتين وحلفائه. أما الحوار فقد مات. انظروا إلى العلاقة بين «كورت فولكر»، المبعوث الأميركي الخاص لأوكرانيا، و«فياتيسلاف سوركوف»، مسؤول بوتين في الصراع القائم في شرق أوكرانيا. انظروا كيف نقل أحد المشرعين الأوكرانيين كلمات فولكر عن سوركوف (وهي في الغالب دقيقة، نظراً لأن فولكر غرد بشيء مماثل): عندما التقيت فلاديسلاف سوركوف للمرة الأولى، أعرب عن قلقه إزاء وضع السكان الناطقين بالروسية في أوكرانيا. لقد أجبت بـأنني ذهبت إلى أماكن مختلفة من أوكرانيا، بما في ذلك الجزء الشرقي، وأستطيع قول إن الأماكن التي لا يشعر فيها الناطقون بالروسية بالأمان هي أماكن انتشار القوات الروسية. فلماذا إذن لا نخرجهم منها؟ هذا من شأنه حل جميع المشاكل وتخفيف القلق. هذا النوع من المواقف لا يعد تفاوضاً أو حتى محادثة – ليس لأن فولكر مخطئ، ولكن لأنه من غير المجدي أن يُقال لسوركوف، من خلف الكواليس، أن يسحب القوات الروسية من شرق أوكرانيا، حيث لن تعترف روسيا بأنها أرسلتهم على الإطلاق، أو من القرم، التي لا تعترف بها روسيا كجزء من أوكرانيا. وبعد ذلك بوقت قصير، نشر «سوركوف» توبيخاً مطولاً أشك في أنه رده. فهو يتناقض بشدة مع منشوراته السابقة، التي أوضحت أو تكهنت بسياسات مثل تحول الكرملين عام 2006 نحو ما أسماه بـ «الديمقراطية السيادية». إن سوركوف يشير إلى عدم جدوى الحديث إلى نظرائه الغربيين لأن كل ما يفعلونه هو إلقاء صيغ مريحة في وجهه. وهذا على الأرجح هو ما يشعر به الغربيون عندما يتحدثون عن الروس. إن قلق سوركوف بشأن الأوكرانيين الناطقين بالروسية ليس سوى صيغة نفاقية. وعندما تتصادم هذه الخطب المتنافسة، فمن غير الممكن تحقيق أي تقدم. وفي الآونة الأخيرة، قدم «فيودور لوكيانوف»، وهو واحد من أمهر معلقي السياسة الخارجية في موسكو، نظرية عن السبب الذي يجعل روسيا والغرب عالقين في هذا الوضع الممل. فكلا الطرفين ينطلق من إطار تم وضعه في نهاية الحرب الباردة. ويقول «لوكيانوف» إن روسيا تحاول التلاعب بالخطاب مع تكنولوجيا «ما بعد الحقيقة» لأنها تفتقر إلى أفكار جوهرية. ويخشى الغرب من هذا التلاعب لأنه لا يريد أن يفقد احتكاره للحقيقة. وربما يكون هذا تشخيصاً دقيقاً للأزمة الفكرية التي تمتد إلى التفاعل السياسي والدبلوماسي. إن الطرفين يتحدثان لإحراز نجاح بدلاً من حل قضايا واقعية تتكلف أموالاً وأرواحاً. ما نفتقده هو النهج العملي الحازم لأشخاص من أمثال كيسنجر وجروميكوف، اللذين تجنبا الوقوع في فخ «إنني على حق وأنت مخطئ» وركزا على التفاصيل لمنع نشوب حرب شاملة. *كاتب روسي مقيم في برلين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©