مع التحالف والتنسيق والتفاهم بين دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية في تحركات وتصرفات وتفاعلات عدة في الإقليم والعالم فإن همزات الوصل الاقتصادية تبقى واحدة من أهم ما يميز العلاقة بين البلدين، ويضفي عليها رسوخاً وقوة، ويجعلها لا تقتصر على ما بين قيادتيهما وكبار مسؤوليهما من روابط واتصالات ومناقشات ولقاءات وحوارات، إنما تتجذر إلى المستوى الشعبي، وتصنع على ضفتيها شبكة من المصالح المادية، التي تغذيها إرادة الطبقة الاقتصادية المنخرطة في أنشطة عدة، تبدأ بالتصدير والاستيراد وتنتهي بالاستثمارات المتبادلة، وتتحرك في مجال اقتصادي متقدم على المستوى العربي، حيث تستحوذ الدولتان على نحو 45.5 % من إجمالي الناتج العربي بقيمة تتجاوز تريليون دولار، وعلى ما نسبته تقترب من 53% من إجمالي التجارة الخارجية للدول العربية من السلع والخدمات، ليكونا معاً قوة اقتصادية مهمة على مستوى الشرق الأوسط كله، وليس العالم العربي فقط، لاسيما أن البلدين تأتيان ضمن أهم الدول الـ 10 المُصدرة عالميا، بقيمة تقترب من 700 مليار دولار.
وتعتبر العلاقات التجارية والاقتصادية بين الدولتين الأهم بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية قاطبة، إذ تعد السعودية أكبر شريك تجاري للإمارات، ليس على مستوى الخليج فحسب، بل في سائر الوطن العربي، حيث بلغ حجم التبادل التجاري غير النفطي إلى ما يقترب من 25 مليار دولار، فيما تقف الإمارات على رأس الدول المستثمرة في السعودية بما يقترب من 10 مليارات دولار، أغلبها تقوم به 30 شركة ومجموعة استثمارية إماراتية تنفذ مشروعات ضخمة في السعودية، وتعمل في دأب على تعزيز الإنتاج الذي تدره قطاعات حيوية كصناعة النفط والغاز وصناعة الطيران، وتعزيز خدمات مثل الطب والسياحة وغيرهما، في المقابل نجد أن السعودية تتصدر الدول العربية التي تضخ استثمارات بمجالات عدة في الإمارات.
ولا تدور هذه العلاقات في فراغ، أو هي متروكة للصدفة، أو حتى لإرادة أفراد أو شركات من هنا وهناك، إنما تحكمها رؤية رسمية، يجسدها المجلس التنسيقي المشترك الذي تم الإعلان عنه عام 2016، وهو يعد لبنة في بناء التوافق والاتفاق الاقتصادي والسياسي، ويرمي بالأساس إلى التشاور والتنسيق في مختلف القضايا المشتركة، ويضم المجلس في عضويته 13 وزيراً من القطاعات ذات الأولوية والصلة في كلا البلدين.
ومما يعطي هذا المجلس مدى أوسع وجود استراتيجية معلنة لدى البلدين، هي رؤية «2030» في المملكة ورؤية «2021» في الإمارات، تعقبها أخرى أبعد مدى هي «2071» وهو العام الذي يمثل العيد المئوي لقيام اتحاد الإمارات. ولا تمضي هاتان الاستراتيجيتان في انقطاع أو انفصال تام عن ترسيخ علاقة اقتصادية بين البلدين، يعول كل منهما عليها في الوصول إلى مبتغاه، ومن ثم جاءت «خلوة العزم» التي تم فيها اعتماد آلية العمل المشتركة خلال السنوات الخمس المقبلة والتي تعمل على ثلاثة محاور تغطي الجوانب الاقتصادية والبشرية والمعرفية والأمنية والعسكرية، لتقيم نمطاً من الاعتماد المتبادل، الذي يحظى باقتناع الطرفين.