عندما تسلم الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في السعودية في شهر يناير عام 2015، كان الوضع العربي قابلاً للتلخيص في ما يلي: انهيار الدولة في اليمن بعد سيطرة الميليشيات الحوثية المسلحة المدعومة من إيران، استفحال الفتنة الطائفية في العراق مع توسع سلطة العصابات الداعشية التي أعلنت قيام خلافة وهمية في مناطق شاسعة من العراق وسوريا، استفحال الأزمة السورية بعد الاختراق الإيراني الذي قضى على التوازنات الداخلية التي قامت عليها الدولة السورية الحديثة بما انجر عنه فشل حركية التغيير وتضاؤل آفاق التسوية السلمية للصراع الأهلي القائم.
ما يجمع هذه المعطيات الثلاثة هو معادلة واحدة: انهيار مركز القوة الاستراتيجية العربية، وتمدد إيران إلى قلب المنظومة الإقليمية العربية، حيث أصبحت خطراً حقيقياً يتهدد الأمن القومي العربي بمفهومه الشامل.
لقد كان منظور الأمن القومي العربي منذ قيام النظام الإقليمي العربي في أربعينيات القرن الماضي، يتمحور حول ثلاثة أضلاع رئيسية، هي: السعودية ومصر وسوريا، مع دعامة رابعة فاعلة هي العراق. وعلى الرغم من الصراعات والاختلافات التي عانى منها في مناسبات كثيرة هذا النظام الإقليمي العربي، إلا أنه تم الحفاظ من جميع الأطراف على قاعدتين أساسيتين، هما: تغليب المصالح القومية العليا في الملفات الجوهرية المشتركة (في مقدمتها الموضوع الفلسطيني، ومن قبل في قضايا التحرر العربي وتصفية الاستعمار خلال عقدي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي)، وعدم الاستقواء بقوى الجوار الإقليمية غير العربية في الصراعات العربية البينية.
بيد أن هاتين القاعدتين تم انتهاكهما، بل إن مرجعية النظام العربي نفسها أصبحت موضع شك واعتراض، خصوصاً منذ تحول العراق إلى محمية إيرانية ودخلت إيران والميليشيات الموالية لها في الساحة السورية إلى جانب النظام، وسقط اليمن في أيدي المتمردين الحوثيين من أتباع ولاية الفقيه الإيراني.
وكانت لحظة الملك سلمان لحظة أمل لإنقاذ المنظومة العربية من خلال خطوات أربع محورية سارع إلى تحقيقها: القيام بأهم إصلاح سياسي واجتماعي داخلي في تاريخ الدولة السعودية الجديدة، يؤهل البلاد لمواجهة التحديات المتراكمة التي تلاحقها، والعمل على إعادة تنظيم وتفعيل البيت الخليجي من خلال جملة من المبادرات أهمها توطيد الشراكة الاستراتيجية والاقتصادية والسياسية مع دولة الإمارات العربية المتحدة، وإنقاذ اليمن من العدوان الحوثي الإيراني، والسعي لتنشيط المحور العربي واحتواء أزماته الخانقة.
يعرف عن الملك سلمان اطلاعه الواسع على تاريخ المنطقة، كما يعرف عنه قوة الحس الاستراتيجي. ولا شك في أن هذه السمات قد ظهرت بوضوح في مشروعه لتحديث المجتمع السعودي والنهوض به في فترة قياسية قصيرة، كما ظهرت في رؤيته للقضايا الإقليمية التي تجاوزت الإطار العربي الضيق لتمتد إلى الفضاء الأفريقي الذي هو المجال الحيوي للمملكة والإقليم الخليجي (الضفة الجنوبية الغربية للبحر الأحمر والمحيط الهندي)، وإلى الفضاء الآسيوي بالانفتاح على القوى الصاعدة وتوطيد أوجه الشراكة معها.
وهكذا استطاعت السعودية أن تؤدي مجدداً دورها التقليدي في حفظ الأمن القومي العربي والدفاع عن الشرعية الدينية في مواجهة حركات التطرف والتشدد والإسهام في تنمية البلدان العربية والإسلامية.
في إحدى مقابلاته السابقة، قال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إن السعودية ليس لها وقت لتضيعه، وإنها قد عانت طويلا من الجمود، ولذا فهي تريد اليوم الإسراع في مشروعها النهضوي التحديثي بخطى سريعة ودون تردد أو وجل. ما حدث فعلاً في ثلاث سنوات هو نقلة نوعية في التجربة السعودية بقدر ما هو لحظة فارقة في الوضع العربي الذي كان يتجه إلى الانهيار الشامل، فعاد إليه الأمل مجدداً بعد لحظة يأس قاتمة.