شغل فلاديمير بوتين منصب الرئاسة الروسية أطول من أي شخص آخر منذ جوزيف ستالين. ومع بقائه في السلطة لمدة 17 عاماً، ولا يزال العدّ مستمراً، تجاوز بوتين الشهر الماضي الرقم القياسي الذي سجله «ليونيد بريجينيف»، الزعيم السوفييتي الذي شغل المنصب دون انقطاع من ستينيات القرن الماضي وحتى أوائل الثمانينيات، وأصبح اسمه رديفاً لـ«جمود الحرب الباردة». ولا يبدي بوتين أية بوادر عن تخليه عن السلطة قريباً؛ بينما يواجه ضابط الاستخبارات السابق، الذي أصبح رئيساً عشية العام الجديد في 1999 عندما كان في الـ47 من عمره، جولة انتخابات حاسمة لفترة أخرى مدتها ستة أعوام. وقد أصبح بوتين مادة دسمة لكثير من الكتب الساعية إلى تفسير صعوده المثير للاهتمام، وتشبثه الأكثر إثارة بالسلطة. غير أن قليلاً من تلك الكتب طموح وآني ومتعمق وقاسٍ بقدر كتاب ماشا جسين: «المستقبل هو التاريخ: كيف حصد الاستبداد روسيا». و«جسين» صحفية مولودة في روسيا، وقد عادت إلى موطنها الأم لتغطية انفتاحها الديمقراطي لفترة قصيرة عقب انهيار الاتحاد السوفييتي، قبل أن تهاجر مجدداً إلى الولايات المتحدة في خضم الإجراءات الأمنية التي فرضها بوتين. وكتبت كثيراً من الأبحاث حول بوتين وعصره، ومنها سيرة بوتين الأكثر مبيعاً «رجل بلا وجه». وكثيراً ما تحذر في مقالاتها المنشورة في «نيويورك تايمز» من مغازلة بوتين. غير أن الكتاب الجديد، الذي يعتبر إلى حد كبير الأفضل لـ«جسين»، ويسلط الضوء على التاريخ الفكري المتعمق لروسيا خلال العقود الأربعة الماضية، يؤكد أن «المبادئ السوفييتية»، التي نشأت قبل قرن مضى مع الثورة «البلشفية» لم تندثر مع الاتحاد السوفييتي. ورغم أن ذلك الجزء يبدو غير قابل للنقاش، فإن استنتاجها المستفز بأن روسيا بقيادة بوتين تحولت إلى مجتمع استبدادي مثل الاتحاد السوفييتي الستاليني أو ألمانيا الهتلرية قد لا يقنع القراء جميعاً. ويسجّل كثيرون تشككهم بشأن المفردات التي تستخدمها المؤلفة، لاسيما أنها مرتبطة بطغاة القرن العشرين، الذين تجاوز عدد ضحاياهم الملايين. غير أن «جسين» تسعى إلى الرد على ذلك باقتباس أقوال مُنظّرين للاستبداد مثل «حنا أردينت» و«إريك فروم»، وتزعم أن روسيا «تعود إلى الاستبداد» مثل «عودة العدوى»، فكما أن تكرار العدوى ربما لا يكون بنفس درجة سوء المرض الأصلي، فإن الأعراض يمكن إدراكها من حيث بدأت في المرة الأولى. وأيّاً كان اعتقاد المرء بشأن روسيا البوتينية، فلا يسعه الاتفاق مع وصف «جسين»، ليدرك مدى الحزن في كتابها الذي يمثل «اتهاماً» للبذل الذي ولدت فيه، والذي يعاني من ماضيه القاسي الذي يبدو عازماً على تكراره. غير أن ضياع مستقبل روسيا ليس أمراً مفروغاً منه، في ضوء هيمنة بوتين لفترة طويلة جداً، وتخييم ظلاله على السياسة الأميركية في خضم التحقيقات حول تدخله في انتخابات الرئاسة الأميركية لعام 2016. وتشير المؤلفة إلى أن بوتين بدأ باعتباره أحد الرؤساء الروس الذين كان من المستبعد أن يأتي اليوم الذي يتحدون فيه «ستالين» من حيث فترة البقاء في الكرملين. وخلال فترته الأولى، عزز بوتين سلطته، وتخلص من المعارضة الفعلية والمحتملة، رغم أن كثيرين في تلك الفترة كانوا يأملون في أن تكون روسيا على الطريق إلى أن تصبح «دولة مدنية». غير أن كتاب «المستقبل هو التاريخ» يروي قصة كيفية ضياع ذلك الأمل! وما يجعل الكتاب جديراً بالاهتمام هو أنه ينطوي على ملاحظات متحمسة من وجهة نظر أولئك الذين حاولوا العودة إلى الدولة المحكومة بقبضة أمنية شديدة. وما ساعد «جسين» أنها مشاركة، وليست فقط مراقبة، ولديها القدرة على ترجمة ما يحدث في العالم الروسي بما يناسب القراء الغربيين. وهوامش الكتاب تملؤها مصادر باللغة الروسية التي تميز المؤلفة عن كثير من أقرانها، الذين يتحدثون الإنجليزية كلغة أولى. وائل بدران الكتاب: المستقبل هو التاريخ المؤلفة: ماشا جسين الناشر: ريفيرهيد تاريخ النشر: 2017