قبل افتتاح منظمة التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي «آبيك» التي انعقدت في فيتنام، كتب إيان بريمر، رئيس «مجموعة أوراسيا» للاستشارات السياسية، تغريدة على تويتر جاء فيها: «إن كل الزعماء الأجانب الذين تحدثتُ معهم في ابيك يعتقدون أن رئاسة ترامب تمثّل هدية كبيرة للصينيين». ولعل أسباب هذا الإجماع تكشفها تصريحات الرئيس دونالد ترامب الأخيرة في مدينة «دا نانج» بفيتنام. ففي خطابه أمام قمة المديرين التنفيذيين في «أبيك» في 10 نوفمبر، بعث ترامب برسالة واضحة إلى منطقة آسيا- المحيط الهادي، بل للعالم قاطبة، مفادها أن إدارته ستواصل سياسة «أميركا أولاً»، وأن على بقية العالم أن تهتم بنفسها. وبلغة صريحة، فقد ذهب ترامب إلى حد مهاجمة فكرة منظمات التجارة متعددة الأطراف - وخاصة منظمة التجارة العالمية- أمام عدد من زعماء العالم المجتمعين من أجل قمة «أبيك» -التي تُعد نفسها كياناً نموذجياً للتجارة متعددة الأطراف. وقال ترامب: «إننا لم نعامَل بإنصاف من قبل منظمة التجارة العالمية. ولكن المنظمات مثل هذه الأخيرة لا يمكنها أن تشتغل بشكل مناسب إلا عندما يتّبع كل الأعضاء القواعد ويحترمون الحقوق السيادية لكل عضو»، مضيفاً: «إننا لن ننضم في المستقبل إلى أي اتفاقيات كبيرة تقيّد أيدينا، وتجعلنا نتنازل عن سيادتنا، وتجعل تطبيقاً حقيقياً (لبنود الاتفاقيات) شبه مستحيل». ومن الجدير بالذكر أنه من دون الإشارة إلى الصين بالاسم، فإن معظم تصريحات ترامب الشرسة -بأن الولايات المتحدة «لن تغض الطرف عن الانتهاكات أو الغش أو الاعتداء الاقتصادي» أو «التسامح مع سرقة الملكية الفكرية» - كانت موجهة إلى الصين بوضوح، وإنْ قال مرة أخرى إنه يحمِّل مسؤولية «استغلال الولايات المتحدة في التجارة» للإدارات الأميركية السابقة، وليس للصين، أو أي بلد آخر. غير أن انتقادات ترامب الشديدة للصين -في تباين قوي مع ما كان قاله للتو خلال زيارته إليها التي دامت ثلاثة أيام- عمّقت مشاعر القلق في منطقة آسيا- المحيط الهادي في الواقع، وأعادت التأكيد للعالم بأن ترامب رجل يغيّر موقفه ونبرته بشكل فوري إن اقتضت مصلحته ذلك. وفي المقابل، واصل الرئيس الصيني في الكلمة التي ألقاها الدفاع عن العولمة، والتجارة الحرة، والمنظمات متعددة الأطراف، داعياً إلى مزيد من التعاون والاندماج في منطقة آسيا- المحيط الهادي، انسجاماً مع ما قاله أيضاً في «منتدى دافوس الاقتصادي» في يناير الماضي. وقال شي: «إن الصين لن تتباطأ في خطوات الانفتاح»، مضيفاً «إننا سنعمل معاً إلى جانب بلدان أخرى من أجل خلق محركات جديدة للتنمية المشتركة عبر إطلاق مبادرة الحزام والطريق». كما وعد بأن «كل الشركات المسجلة في الصين ستعامَل على قدم المساواة». وإن الصين «ستمنح مناطق التجارة الحرة النموذجية سلطات أكثر من أجل إدخال الإصلاحات وبحث إمكانات فتح موانئ للتجارة الحرة». وإضافة إلى ذلك، سعى «شي» إلى طمأنة بلدان آسيا- المحيط الهادي قائلاً إن الصين «ستتشبث بطريق التنمية السلمية» و«تشجيع إنشاء نوع جديد من العلاقات الدولية المبني على الاحترام المتبادل والمساواة والعدل والتعاون رابح - رابح». وبغض النظر عما إن كانت الصين ستفي حقاً بوعودها عملياً، فإن كلمات «شي» المشار إليها تبدو جذابة للعالم أكثر من خطاب ترامب الصادم في الوقت الراهن. ووفق كريستوفر جونسون من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وهو مركز بحوث في واشنطن، فإن الصين كانت تتطلع إلى قمة «أبيك» -وهو شعور غير مألوف بالنسبة لبكين- لأنها كانت تعلم أن إدارة ترامب لا تكنّ وداً للتجارة متعددة الأطراف، ولهذا، فإن بكين تسعى للترويج لها وتشجيعها بقوة. وعليه، فإن أحدث تطورات قمة «أبيك» تُظهر أن الصين قد اتخذت، مرة أخرى، الخطوات الصحيحة، خلافاً للولايات المتحدة للأسف. شارلوت جاو: باحثة متخصصة في الشؤون الآسيوية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون نيوز سيرفس»