وفق كثير من المعايير، تبلي شيكاغو، التي تعتبر ثالث أكبر مدينة من حيث تعداد السكان في الولايات المتحدة الأميركية، بلاءً حسناً. فاقتصادها المتنوع بصورة جيدة ينهض من العقد الضائع في «الكساد الكبير»، على صعيدي الإنتاج والتوظيف. ولم تشهد شيكاغو ذلك الصعود المفاجئ في تكاليف الإسكان الذي تعاني منه مدن أخرى، فمتوسط الإيجار في المدينة أقل من نظيره في لوس أنجلوس، ولا يزال الإسكان سوقاً للمراهنين على الشراء. وربما يكون ذلك سبباً جزئياً لانتقال شركات إلى هناك، فشركة «كاتربيلار» على سبيل المثال نقلت مقرها من «بيوريا» في وسط «إلينوي» إلى شيكاغو، وتوجد شركات تكنولوجية أخرى مهتمة بشكل كبير بالانتقال إلى هناك. ويجري الآن العمل على الخطط الكبرى لإعادة تطوير مركز المدينة، وبالتأكيد لدى المتحمسين لشيكاغو كثير من الأمور التي يمكنهم التباهي بها، لكن تحت ذلك سطح البرَّاق يوجد مكان مضطرب، وبالطبع أشهر المشكلات التي تواجه شيكاغو هي جرائم العنف. وخلال السنوات القليلة الماضية، قفزت معدلات القتل إلى الضعف تقريباً من 15 لكل مئة ألف شخص إلى 28. والمعدل الراهن يشكل زهاء 85 في المئة من ذروة المعدلات التي وصلت إليها المدينة في تلك الأيام الغابرة بداية تسعينيات القرن الماضي، وعلى الرغم من أن مدن مثل نيويورك قد أصبحت أكثر أماناً بشكل كبير، يبدو أن شيكاغو تمضي بشكل سريع في الاتجاه الخاطئ. وفي هذه الأثناء، لا يتقاسم الجميع الرخاء في شيكاغو، فالطبقة المتوسطة تتقلص مع زيادة الفجوة الاجتماعية، ولو أن ذلك الاتجاه كان نتيجة انتقال مزيد من سكان المدينة إلى الطبقة العليا، لما كانت مشكلة، غير أن الأمر لا يبدو كذلك، فقد تراجع متوسط دخل الأسر الحقيقي في شيكاغو منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي. وربما لذلك السبب، يغادر الناس المدينة. وفي عامي 2015 و2016، تراجع نمو السكان الذي استمر لعقود، في ضوء انتقال كثير من السكان، وتناقص النمو السكاني الطبيعي والهجرة من الخارج بشكل كبير. وإذا أرادت شيكاغو أن يعمّ ازدهارها على نسبة أكبر من سكانها، فثمة أمور كثيرة لا بد من القيام بها، فلا ينبغي أن يكون الهدف هو مجرد مبانٍ مكتبية جديدة لامعة، وإنما نمو أكثر شمولاً. يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»