بعد نجاحات وانتصارات غير مسبوقة على صعيد التحكم في ومقاومة مرض الملاريا، توقفت عجلة هذا النجاح، وغاصت في وحل ضعف التمويل ونقص المصادر المالية. هذه كانت خلاصة التقرير السنوي عن الوضع العالمي للملاريا (World Malaria Report 2017) الذي صدر مؤخراً. حيث نص التقرير على أن عدد حالات الإصابة بالملاريا عام 2016، قد ازدادت بخمسة ملايين حالة عن عام 2015، وإن كانت الوفيات بسبب المرض ظلت ثابتة تقريباً، بحوالي نصف مليون وفاة سنوياً. ويرُد الخبراء هذا الارتفاع الواضح في معدلات الإصابة، إلى حقيقة أنه في عام 2016 تم استثمار وإنفاق 2.7 مليار دولار على جهود التحكم في الملاريا، وهو رقم أقل بكثير – الثلث فقط تقريباً- من مبلغ الـ6.5 مليار دولار، الذي يُقدر بأن يشكل الحد المثالي من الإنفاق السنوي حتى عام 2020، إذا ما كان يؤمل أن يتم تحقيق الأهداف الاستراتيجية في مكافحة وحصار طفيل الملاريا. وفي الوقت الذي تم فيه تمويل جزء من نفقات العام الماضي بمقدار 800 مليون دولار من قبل حكومات الدول المتوطن بها المرض، أو ما يعادل 31 في المئة من الإجمالي المنفق، ساهمت الولايات المتحدة وحدها بمليار دولار، أو ما يعادل 38 في المئة من الإجمالي، مما يجعلها أكبر المساهمين والداعمين الدوليين على الإطلاق، يليها في هذه المرتبة المملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، واليابان. وليس من المبالغة في شيء النظر إلى طفيل الملاريا على أنه إحدى القوى الرئيسية التي لعبت دوراً مهماً في تحديد مسار التاريخ البشري في العديد من مراحله، حيث تظهر الدراسات الأثرية، أن طفيل الملاريا قد ظل يصيب أفراد الجنس البشري على مدار أكثر من 50 ألف عام، وهو ما يعني أن هذا الطفيلي ظل يتغذى فعلياً على دماء البشر منذ اليوم الأول الذي وطئت فيه أقدامهم سطح هذا الكوكب. وحتى يومنا هذا، لا زال طفيلي الملاريا أيضاً من أهم القوى المؤثرة في مقدرات البشر في العديد من مناطق العالم، حيث تصنف الملاريا ضمن أكثر الأمراض المعدية فتكاً بالبشر على الإطلاق، وخصوصاً بين الأطفال، حسب التقديرات التي تشير إلى وفاة طفل بالملاريا كل 30 ثانية. وبخلاف هذا الثمن الإنساني الفادح، يتسبب طفيلي الملاريا أيضاً في خفض الناتج الاقتصادي الإجمالي للدول المستوطن فيها المرض. ويظهر التقرير العالمي الأخير عن الملاريا، أن عدد حالات الإصابة بالمرض عام 2016 بلغت 216 مليوناً في 91 دولة، وبارتفاع بمقدار خمسة ملايين عن عام 2015 وبلغ فيه عدد حالات الإصابة 211 مليوناً، وإن كانت الوفيات ظلت ثابتة لحد كبير رغم هذا الارتفاع في عدد الإصابات، وبوجه عام، يمكن القول بأن متوسط عدد حالات الإصابة بالملاريا قد انخفض بشكل ملحوظ، إلا أنه منذ عام 2014 توقف هذا الانخفاض، بل انعكس اتجاهه في بعض مناطق العالم. وتتحمل حالياً دول المنطقة الأفريقية العبء الأكبر من حالات الإصابة والوفيات، وبما يعادل 90 في المئة من الإصابات والوفيات، بل تتحمل خمس عشرة دولة فقط من دول المنطقة الأفريقية ما يعادل 80 في المئة من الإجمالي العالمي من حالات الإصابات والوفيات. ومما يزيد الموقف تعقيداً، ظهور أنواع من الطفيلي مقاومة للأدوية والعقاقير المستخدمة في العلاج، وهو ما أكده تقرير صدر نهاية الصيف الماضي عن وحدة أبحاث طب المناطق الاستوائية في تايلاند، والتابعة لجامعة «أوكسفورد»، حذر فيه العلماء من الانتشار السريع والملحوظ لأحد أنواع الطفيلي المسبب للمرض، يُعرف بالـ«سوبر ملاريا»، بسبب مقاومته لعدد من العقاقير الرئيسية المستخدمة في العلاج. ويُغذي مخاوف الأطباء تلك، القدرة الفائقة لهذا الطفيلي على مقاومة الأدوية والعقاقير المعروفة بمضادات الملاريا، لدرجة أن نسبة فشل علاج المصابين به وصلت إلى 30 في المئة في فيتنام، و60 في المئة في كمبوديا. وبالنظر إلى حقيقة أن الملاريا تصيب حالياً أكثر من 210 مليون شخص سنوياً، وإذا اتسع المدى والنطاق الجغرافي لصنف الطفيلي المقاوم للأدوية والعقاقير، فيمكن حينها أن يتضاعف عدد الوفيات الحالي، ليصل إلى عدة ملايين، أو ربما حتى عشرات الملايين، وهو ما سيشكل سيناريو كارثة صحية عالمية بكل المقاييس.