قبل بضعة أيام كنت قد استعرضت هنا، جوانب القرار الأخير لمنظمة الصحة العالمية بإدراج اضطراب الألعاب الرقمية (Gaming Disorder) في دليل التصنيف الدولي للأمراض، ضمن فصل أو باب «اضطرابات الصحة العقلية»، في إشارة إلى إدمان ألعاب الفيديو أو الكمبيوتر، أو غيرها من أشكال «ألعاب الشاشات». وبالتزامن مع هذا القرار المهم، أرسل مجموعة من كبار المستثمرين في شركة «آبل» - يملكون أسهماً تُقدر قيمتها بأكثر من 2 مليار دولار- خطاباً إلى عملاق صناعة الكمبيوتر والتليفونات المحمولة، يطالبون فيه الشركة بتطوير برامج كمبيوتر تحد من عدد ساعات استخدام الأطفال للهواتف الذكية، وهي المطالبة التي لقيت ترحيباً وصدى واسعاً من قبل الأكاديميين الذي يعملون في مجال دراسة تأثير استخدام التكنولوجيا على الأطفال والمراهقين صغار السن. وقامت جمعية المدرسين المتقاعدين في ولاية كاليفورنيا بدعم طلبات مجموعة المستثمرين هؤلاء، وخصوصاً تلك المتعلقة بالتأثيرات السلبية للإفراط في استخدام الهواتف الذكية على الصحة العقلية للأطفال والمراهقين، التي أصبح بعضها مثل إدمان ألعاب الفيديو والكمبيوتر تصنف ضمن الاضطرابات العقلية. وتأتي هذه المطالبات على خلفية تواتر الدراسات التي تُظهر أن الإفراط في استخدام الهواتف الذكية، يمكنها أن تؤثر بشكل سلبي فادح على الأداء الأكاديمي، وأن تمنع الطالب من التركيز المطلوب لإنهاء واجباته الدراسية، وأن تحرمه من الحصول على وقت كاف من النوم والراحة، هذا بالإضافة إلى التأثيرات السلبية الخاصة، والمميزة والفريدة، الناتجة عن الإفراط في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي الشائعة، مثل خفض وتراجع احترام وتقدير الذات، وربما حتى الإصابة بالاكتئاب. وما قد يغيب عن الكثيرين، هو مدى انتشار الاكتئاب بين المراهقين، وحتى بين الأطفال صغار السن، حيث يعتبر الاكتئاب السبب الأول للإعاقة بين المراهقين، بينما يحتل الانتحار – والناتج غالباً من الاكتئاب- المرتبة الثانية على قائمة أسباب الوفيات الأكثر انتشاراً بين أفراد هذه الفئة العمرية. فمن بين «كتالوج» المشاكل النفسية التي تؤدي إلى مضاعفات جسدية، وضمن أنواع الاضطرابات البدنية التي تؤدي إلى اختلالات نفسية، يحتل الاكتئاب مكانة خاصة، بسبب انتشاره الواسع بين المراهقين، وتسببه في قدر لا يستهان به من الإعاقة إذا كان مزمناً أو متكرراً بشكل دائم، أو كونه يؤدي للانتحار في الحالات الشديدة. ورغم أن خطاب مجموعة المستثمرين لشركة آبل، جاء –لحد كبير- انطلاقاً من خوفهم أن تتأثر سمعة الشركة، وخصوصاً بين الآباء، وهو ما سيؤدي بالتبعية إلى تراجع قيمة أسهمها، وخسارة جزء كبير من استثماراتهم، فإنه يندرج أيضاً تحت حقوق أفراد المجتمع على الشركات الكبرى ضمن مفهوم المسؤولية المجتمعية، وبالتحديد عندما يتعلق الأمر بإدمان الشاشات أو الإدمان الرقمي، كان هو الدافع خلف قيام أكبر شركة إنترنت في الصين، بتحديد عدد الساعات التي يمكن للأطفال خلالها ممارسة الألعاب الأكثر انتشاراً، بينما شرّعت حكومة كوريا الجنوبية قانوناً يمنع الأطفال دون سن السادسة عشرة من ممارسة الألعاب الرقمية «أون لاين» من منتصف الليل وحتى السادسة صباحاً، في أيام الدراسة، وحتى في أيام العطلات والإجازات المدرسية، وعلى نفس المنوال يتم في اليابان تنبيه من يمارسون هذه الألعاب، إذا ما تخطوا عدداً محدداً من الساعات في الشهر الواحد. وغني عن الذكر، أن هناك ظروفاً وعوامل عدة تساهم جميعها بنسب مختلفة في تكوين المراهق من النواحي الأكاديمية والسلوكية والشخصية، بالإضافة إلى صحته العقلية، وما قد يعتريها من اضطرابات. وإن كان من الخطأ التسفيه والتقليل من تأثير عدد الساعات التي يقضيها المراهقون أمام شاشات تليفوناتهم أو منغمسين في وسائل التواصل الاجتماعي، على تكوينهم النفسي والسلوكي. مثل هذا التأثير يجب أن يوضع في اعتبار مصنعي الهواتف، ومطوري البرامج، مع توفير الوسائل التي تتيح للآباء السيطرة على هواتف أطفالهم ومراهقيهم الذكية، وباقي الشاشات التي أصبح أفراد الجيل الحديث يقضون جل وقتهم أمامها. وفي ظل التطور الهائل الذي شهده مجال «التطبيقات الصغيرة» ليس من العسير أو الصعب بالمرة تطوير تطبيق يُحمّل من الإنترنت، يتيح للآباء السيطرة على هواتف أطفالهم الذكية دون أن يحرمهم من المزايا والفوائد الجمة التي يمكن أن يجنوها من الشبكة العنكبوتية.