الهند بلد قديم وكل مدنه الكبيرة تقريباً اتسعت وتطورت دون تخطيط حضري ملائم. واليوم مع الهجرة الكثيفة لسكان الريف إلى الحضر بحثاً عن فرص عمل وتحقيق بعض الثراء السريع، تجد هذه المدن صعوبة في استيعاب الأعداد المتزايدة من السكان الذين يمثلون ضغطاً على الخدمات مثل مياه الشرب والكهرباء. وبدأت الحكومة الهندية تركز حالياً على تحسين البنية التحتية في الحضر. ودشن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي مشروع المدينة الذكية عام 2015 لدفع عدد صغير من المدن كي تستخدم تكنولوجيا المعلومات والرقمية لتحسين جودة الخدمات العامة ووسائل الراحة. وتحدث "مودي" في الآونة الأخيرة عن خطط حكومته الطموح لتحديث الهند بإقامة 100 مدينة ذكية واقتصار سوق المركبات على السيارات الكهربائية بحلول عام 2030. وتُعرف الحكومة المدينة الذكية بأنها تلك التي يتوافر فيها خدمات أفضل باستخدام تكنولوجيا المعلومات مع توافر إمدادات كافية من المياه والكهرباء والصرف الصحي وشبكة كفؤ للنقل العام وخدمات الاتصال بالإنترنت والإسكان الميسور، وأن تكون مكانا آمناً للنساء والأطفال. وهذه المدن ستقام غالباً من خلال تطوير البنية التحتية في المدن القائمة بالفعل، وأيضاً من خلال التنمية الخضراء ما تيسر السبيل إلى ذلك. ويجري التركيز على عدد صغير من المدن في المناطق الشرقية والغربية من الهند حيث بدأت بالفعل جهود لإقامة حارات في الطرق للدراجات الهوائية ونشر خدمات الإنترنت بتقنية "واي فاي" في المدن. وفي الوقت نفسه، أعلنت الحكومة أنها تريد تشجيع استخدام السيارات الكهربائية وألا يقتصر الأمر على تقليص واردات الهند من النفط، بل أيضاً تقليص تلوث السيارات في المدن الرئيسية. وتعهدت الحكومة أيضاً أن تقلص انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري بنحو 37% بعد أن تصبح كل السيارات كهربائية بحلول عام 2030. وهذا يتضمن السيارات الخاصة التي تعمل حالياً بمشتقات النفط لتعمل بالكهرباء في غضون هذه الفترة. والسيارات الكهربائية ليست منتشرة في الهند بسبب حركة السير غير المنظمة وأيضاً نتيجة تزايد عدد السيارات الخاصة. وظهر عدد من مركبات ريكشا (توك توك) الكهربائية التي تعمل في مناطق مكتظة معينة في بعض المدن مثل دلهي. وعلى طريق السعي لاستخدام السيارات الكهربائية، بدأت الحكومات الهندية الآن تعزز خططها لصناعة سيارات كهربائية. وحصلت شركات هندية مرموقة مثل شركة ماهندرا وتاتا موتورز على مناقصات لتقديم 10 آلاف سيارة كهربائية لتحل محل أسطول الحكومة الذي يزيد على نصف مليون سيارة. وكشفت شركة ماروتي، أكبر منتج للسيارات في الهند، عن اعتزامها إنتاج سيارات كهربائية في غضون عامين. لكن إنشاء مدن ذكية ونشر استخدام السيارات الكهربائية يمثلان تحديين كبيرين ومهمتين شاقتين أمام الحكومة. فالهند بها عدد يتزايد سريعاً من مستخدمي السيارات الخاصة ويرجع هذا إلى تزايد أفراد الطبقة الوسطى وطموحاتهم المتصاعدة. وتشير بيانات لعام 2015 إلى أن لدى الهند 210 ملايين مركبة ويُضاف إليها ما يصل إلى مليوني سيارة كل عام. وتشير بيانات منتجي السيارات الهنود إلى أن مبيعات السيارات الخاصة في الهند يُتوقع أن تنمو بنسبة 9% في السنة المالية 2017-2018. لكن يظل الواقع هو أن الهند ليس لديها البنية التحتية المطلوبة لتنتج سيارات كهربائية. ولا يوجد محطات لشحن السيارات بالكهرباء كما أن الكهرباء شحيحة في مناطق واسعة من البلاد. وانقطاع الكهرباء شائع في القرى والبلدات الصغيرة. وبالتالي يغدو الانتقال إلى استخدام السيارات الكهربائية تحدياً كبيراً في ظل هذه الظروف. وفي الوقت نفسه، مازالت كلفة السيارات الكهربائية مرتفعة. والمستهلكون لن ينتقلوا إلى استخدام السيارات الكهربائية إلا إذا أصبحت أرخص من السيارات التي تعمل بمشتقات النفط. وبغير هذا لن ينتقل المستهلك الهندي الحريص على مصلحته المادية إلى السيارات الكهربائية قريباً ولن يفكر في شرائها أصلا. ويرى عدد كبير من الناس أن الهند لن تستطيع الوفاء بالموعد النهائي الذي حددته الحكومة للانتقال إلى السيارات الكهربائية. والجدير بالذكر أن دولا متقدمة مثل بريطانيا وفرنسا أعلنت أنها ستنتقل إلى استخدام السيارات الكهربائية بعد الموعد النهائي الذي حددته الهند بعشر سنوات. ويواجه تحدي إقامة مدن ذكية صعوبات كبيرة أيضاً. وكثير من خطط المدن الذكية يواجه سلسلة من التحديات تمتد من ضعف الاستجابة من الشركات الخاصة إلى التأخر في تنفيذ المشروعات. والهند تواجه أزمات في الحضر مع توقع تزايد سكان المدن من 31% إلى 40% بحلول عام 2030 مع تزايد أعداد المهاجرين إلى المدن بحثا عن عمل. ولا يتوقع تعميم التنمية في كل المدن، فقد تتقدم بعضها على الأخرى. وذكرت الحكومة أن التغيرات ستظهر في بعض المدن في الشهور المقبلة. لكن تحدي تطوير مدن الهند وجعل الهواء أكثر نظافة قد يستغرق وقتاً أطول من المتوقع في بلد شاسع مثل الهند يُتوقع أن تتعرض فيه البنية التحتية الحضرية إلى ضغوط نتيجة تزايد أعداد سكان الحضر مع توافد سكان الريف بحثاً عن العمل والمال. *رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي