ضمن مسلسل الفضائح المرتبطة بصناعة الغذاء العالمية، وخصوصاً تلك المتعلقة بحليب الأطفال، شرعت إحدى أكبر شركات منتجات الألبان الفرنسية منذ بداية ديسمبر الماضي باستدعاء العديد من منتجاتها، وخصوصاً حليب الأطفال، بعد أن اكتشف تلوث هذه المنتجات ببكتيريا «السالمونيلا» الخطيرة. وحتى تاريخ كتابة هذا المقال، تم استدعاء أكثر من 12 مليون صندوق حليب أطفال، في 83 دولة حول العالم، في أوروبا وآسيا وأميركا اللاتينية وأفريقيا. ويمكن إدراك حجم الشركة المعنية، ومدى اتساع نشاطها وتنوع منتجاتها، من حقيقة أن مبيعاتها السنوية تبلغ 17 مليار دولار (63 مليار درهم)، وتمتلك 246 مصنعاً، تنتشر في 47 دولة، ويعمل بها في فرنسا وحدها 15 ألف شخص. ومما زاد الموقف تعقيداً، قيام عدد من أضخم سلاسل السوبر ماركت الدولية، في الاستمرار في بيع منتجات الشركة المعنية، حتى بعد صدور طلب الاستدعاء. وهو ما دفع الرئيس الفرنسي «إيمانويل ماكرون» من خلال مؤتمر صحفي أثناء زيارته للعاصمة الإيطالية روما، بالمطالبة بضرورة محاسبة المسؤولين عن هذا الفعل، مؤكداً بأن فرنسا قادرة على تحقيق أمن وسلامة منتجاتها الغذائية. وتنقسم البكتيريا المرتبطة بهذه الفضيحة، أو السالمونيلا (Salmonella) إلى قسمين رئيسيين، القسم الأول يتسبب في التسمم الغذائي الشائع، بينما يتسبب القسم الثاني في الإصابة بحمى التيفويد والباراتيفويد. وإذا خصصنا حمى التيفويد والباراتيفويد بالحديث، فيمكن تعريفهما على أنهما أمراض معدية، تنتقل العدى فيهما عن طريق مياه الشرب أو الطعام الملوثين ببراز الشخص المصاب. وتظهر أعراض التيفويد - باختصار- في شكل حمى مُطوَّلة تستمر لعدة أسابيع، وصداع، وغثيان، وفقدان للشهية، وإمساك. وتشير الإحصائيات والتقديرات إلى إصابة 22 مليون شخص سنوياً بالتيفويد، يلقى 220 ألفاً منهم حتفهم كل عام. ومؤخراً تواترت الأخبار عن نجاح تطوير نوع جديد من التطعيمات الطبية ضد التيفويد، كفاءته تقارب الـ90 في المئة، وهو ما يعني حماية 9 من كل 10 أشخاص يتعرضون للميكروب، والأهم من ذلك أنه يمكن استخدامه للأطفال بداية من عمر ستة شهور، وهي الفئة العمرية التي لم يكن هناك خيار متاح حتى الآن لتوفير الحماية لها. وبالنسبة للتسمم الغذائي في مفهومه الواسع – سواء كان ناتجاً عن بكتيريا السالمونيلا أو غيرها من الجراثيم- فيشمل حالات تسمم حادة، بالإضافة إلى حالات تسمم تعاني من تبعات صحية مزمنة. وبوجه عام ينقسم التسمم الغذائي إلى قسمين رئيسيين، قسم ينتج عن وجود ميكروب في الغذاء، وآخر ينتج عن وجود سموم في الغذاء، سواء كانت صناعية أم طبيعية أم ناتجة عن جراثيم وميكروبات. وهو ما يعني أن النوع الأول هو عدوى تقليدية تتم عن طريق تناول غذاء ملوث بالميكروب، أو الفيروس، أو الطفيلي، تغزو على إثرها هذه الجراثيم الجسم عن طريق الجهاز الهضمي، لتسبب حزمة متنوعة من الأمراض المختلفة. أما القسم أو النوع الثاني، فهو ببساطة نوع من التسمم الكيميائي، بالسموم الطبيعية أو الصناعية، تظهر فيه الأعراض بسبب دخول كمية من السم إلى الجسم، فتسبب اضطراباً لأعضائه وأجهزته الحيوية. ومن الصعب تحديد رقم إجمالي لحالات التسمم الغذائي وباقي الأمراض المنقولة بالغذاء، وإن كانت أمراض الإسهال تصيب 1.7 مليار شخص سنويا، وتقتل 760 ألف طفل، بناء على أن في عام 2000 وحده، أودت هذه الأمراض بحياة 2.1 مليون شخص، وهو الرقم الذي يمكن إسقاطه على الأعوام الأخرى. وهو ما يجعل طائفة أمراض الإسهال بجميع أنواعها، تحتل المرتبة الرابعة على قائمة أسباب الوفيات بين أفراد الجنس البشري، وخصوصاً بين الأطفال دون عمر الخامسة، حيث تحتل المرتبة الثانية في قائمة أسباب الوفيات الخاصة بهذه الطائفة العمرية. ولا يمكن بأي حال من الأحوال في العصر الحالي، وفي ظل ظاهرة عولمة صناعة الغذاء، تجاهل البعد الدولي الذي أصبح يترافق مع الأمراض المنقولة بالغذاء، كما يتضح من خبر استدعاء شركة فرنسية منتجاتها من الألبان من 83 دولة، في أربع قارات. فالعديد من حالات التسمم أو الأوبئة الضيقة، التي كانت قديماً تقتصر على مجتمعات صغيرة أو مناطق جغرافية محدودة، يمكنها حالياً أن تأخذ بعداً دولياً عالمياً بكل سهولة. وهو ما حدا بأجهزة الرقابة الغذائية في جميع أنحاء العالم إلى التسليم بأن ضمان السلامة الغذائية لا ينبغي أن يعتمد فقط على الإجراءات والتدابير الوطنية والمحلية، بل يجب أن يتحقق أيضاً من خلال شراكة فاعلة بين أجهزة الرقابة الغذائية في الدول المختلفة.