«لقد صوت الشعب الأذري من أجل الاستقرار والأمن والتنمية»، كما قال إلهام علييف عقب فوزه بولاية رابعة على رأس قمة السلطة في أذربيجان، في كلمة وجهها إلى مواطنيه يوم الخميس الماضي، بعد أن أعلنت اللجنة المركزية للانتخابات حصوله على الأغلبية الساحقة من الأصوات. وكان حزب «أذربيجان الجديدة» الحاكم قد أعلن بعد ساعتين فقط على إغلاق مراكز التصويت، مساء الأربعاء، فوز الرئيس علييف بالسباق الانتخابي، وأطلقت السيارات أبواقها ورفعت أعلام أذربيجان وأعلام الحزب في وسط العاصمة باكو احتفالا بالنصر الانتخابي. وإلهام هو رابع رئيس لأذربيجان منذ استقلالها عن الاتحاد السوفييتي لدى تفككه عام 1991، وقد تولى مقاليد الحكم فيها عام 2003، خلفاً لوالده حيدر علييف. وقد ولد إلهام في باكو عام 1961، وهو الابن البكر لحيدر وزوجته «ظريفة عزيز» المتوفاة في عام 1985. وكان علييف الأب قد أصبح مديراً للفرع الأذري لوكالة الاستخبارات الروسية «كي جي بي» حين كان ابنه إلهام في سن السادسة، ثم أصبح سكرتيراً عاماً للحزب الشيوعي في جمهورية أذربيجان السوفييتية الاشتراكية. وبعد أن أنهى إلهام دراسته الثانوية في باكو، التحق بمعهد العلاقات الدولية في موسكو، والذي كان وجهة لأبناء قادة الحزب، ونال منه شهادة الدكتوراه في التاريخ والعلاقات الدولية، قبل أن يصبح عضواً في هيئته التدريسية عام 1985. بعد سقوط الاتحاد السوفييتي عام 1991، أعلنت أذربيجان استقلالها، لكنها سرعان ما شهدت انتفاضة الأرمن في العاصمة باكو، وخاضت حرباً حدودية خاسرة مع جارتها أرمينيا على إقليم «قره باخ»، ليتصاعد الوضع الداخلي مع استيلاء قائد عسكري متمرد على مدينة «غنجة»، ثاني أكبر مدن البلاد. في تلك الظروف أصبح حيدر علييف، رئيس الحزب الشيوعي الأذري السابق الذي عزله جورباتشوف عام 1987، والمعروف بصلاته القوية مع موسكو وطهران وأنقرة ويريفان، مرشحاً لاستلام مقاليد القيادة من خلال حكومة ائتلافية جديدة. وقد انتخبه البرلمان رئيساً له في 15 يونيو 1993، ثم بعد تسعة أيام اختاره البرلمان نفسه رئيساً للجمهورية بالإنابة بعد فرار الرئيس «التشي بيك»، إلى أن انتخب في اقتراع عام ومباشر كرئيس للبلاد في أكتوبر 1993. وخلال تلك الفترة كان إلهام مقيماً في موسكو، لكنه ترك التدريس وتحول إلى مجال الأعمال الحرة، وأصبح مستثمراً يتنقل بين موسكو وأنقرة، قبل أن يعينه والده في عام 1994 نائباً لرئيس «الشركة الوطنية لبترول أذربيجان». وفي العام التالي تم انتخابه كنائب في البرلمان، كما أصبح رئيساً للجنة الأولمبية الأذرية، ورئيساً للمندوبية الأذرية لدى المجلس الأوروبي. لكن المحطة المفصلية في حياته السياسية كانت في أغسطس 2003، أي شهرين قبل الانتخابات الرئاسية المقررة في ذلك العام، حين أصدر والده الذي كان يتعالج في مستشفى بالولايات المتحدة الأميركية، قراراً بتعيينه رئيساً للوزراء، وهو المنصب الذي يتولى شاغله رئاسة الجمهورية بالوكالة تلقائياً في حالة وفاة الرئيس أو عجزه نهائياً عن ممارسة مهامه. وبسبب ظروفه الصحية، أعلن علييف الأب في أكتوبر 2003 تخليه عن الترشح لانتخابات الرئاسة وتقديم نجله كمرشح وحيد لحزب «أذربيجان الجديدة» الحاكم بقيادته. وجاءت نتيجة الانتخابات بفوز ساحق لإلهام الذي حصل على 76.8 في المئة من الأصوات، مقابل 13.9 في المئة لمنافسه الأقوى «عيسى قمبر» (رئيس سابق). وبعد تسلم مهامه كرئيس للبلاد في 31 أكتوبر 2003، أعلن إلهام علييف تعيين رئيس لحكومته هو «آرتير راسيزاد» الذي شغل المنصب نفسه في عهد علييف الأب بين عامي 1996 و2003. وإلى جانب منصبه كرئيس للجمهورية، فقد انتخب علييف رسمياً في مارس 2005 كرئيس لحزب «أذربيجان الجديدة»، وأُعيد انتخابه رئيساً للجمهورية لولاية ثانية في أكتوبر 2008 بما نسبته 88.7? من الأصوات، في اقتراع مثّل بالنسبة للمراقبين الأوروبيين تقدماً معتبراً بالقياس إلى الاقتراع الذي سبقه. ثم أعيد انتخابه لولاية ثالثة في أكتوبر 2013 بنسبة 84.5?. وقد عزز إلهام علييف حكمه باستفتاءين شعبيين؛ أولهما كان في عام 2009، وقد ألغى بموجبه القيود الدستورية على ترشح رئيس الجمهورية لأكثر من ولايتين متتاليتين، أما ثانيهما فكان في عام 2016، وقد سمح له بتمديد الولاية الرئاسية من خمسة إلى سبعة أعوام. وعلى ضوء التعديل الأخير قرر الرئيس علييف تقديم الانتخابات الرئاسية التي كان مقرراً لها أن تجري في أكتوبر المقبل، حيث تم تنظيمها يوم الأربعاء الماضي، بحضور 900 مراقب أجنبي. ووفقاً لأرقام اللجنة المركزية للانتخابات، فقد بلغت نسبة المشاركة في هذا الاقتراع 74.5?، توزعت بين ثمانية مرشحين لمنصب رئيس الجمهورية، تقدمهم الرئيس الحالي إلهام علييف بنسبة 86.3?، بينما حصل أهم منافسيه على 5? فقط. وبموجب هذه النتائج سيحكم علييف لولاية رابعة حتى عام 2025، وهو أمر مفهوم على ضوء الإنجازات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها أذربيجان في عهده. فقد تضاعف خمس مرات الناتج المحلي الإجمالي لهذا البلد الذي لا يتجاوز عدد سكانه 10 ملايين نسمة، إذ ارتفع من 7.276 مليار دولار عام 2003 إلى 37.848 مليار دولار في 2016. وخلال هذه السنوات ركز علييف على سياسة تنويع الصادرات كتوجه أساسي لمستقبل الاقتصاد الأذري. ومنح أذربيجان أهمية متزايدة على خريطة الطاقة العالمية، خاصة مع بدء تشغيل خط أنابيب باكو تبليسي جيهان في مايو 2006، والذي تم تصميمه لنقل نحو 50 مليون طن من النفط الخام سنوياً من حقول بحر قزوين إلى الأسواق العالمية. وتوسعت في عهده المساحات الزراعية المستغلة وتزايدت المحاصيل على اختلاف أصنافها. كما شهدت أذربيجان تطوراً كبيراً في نظامها المصرفي، وكذلك في قطاعها السياحي بعد أو ضعت الحكومة تطوير البلاد كوجهة سياحية على رأس أولوياتها. هذا علاوة على التوسع الذي شهدته قطاعات النقل والاتصالات والخدمات والبنية التحتية والإنشاءات. لذلك تصدّرت أذربيجان دول العالم في مؤشر الإصلاح الاقتصادي لعام 2008، وظل علييف ضيفاً على الاجتماعات السنوية لمنتدى دافوس الاقتصادي العالمي منذ 2013. وقد أفاد علييف في سياسات التطوير والتنويع التي انتهجها من عائدات الثروة النفطية الضخمة لأذربيجان، لكن أيضاً من الأهمية الاستراتيجية التي تمثلها بالنسبة للغرب في جهوده الرامية إلى تقليص تبعيته لروسيا في مجال الطاقة، فضلا عن موقعها على بحر قزوين بين روسيا وإيران، وكطريق عبور للقوات والإمدادات الأميركية المتجهة إلى أفغانستان. لذلك يؤكد أنصار علييف أن من إنجازاته أيضاً الحفاظ على موقف متوازن بين روسيا والغرب وإيران وتركيا والصين.. ما جعل من باكو شريكاً موثوقاً لعواصم هذه الدول كلها في وقت واحد. وهو ما يرون أنه ساعد أذربيجان على الانصراف نحو تحقيق إنجازات اقتصادية واجتماعية ضخمة ما كانت لتتحقق في ظل «ديمقراطية» تستنزف صراعاتها طاقة البلاد وتصرف اهتمام الأذريين عن العمل الحقيقي لصالح البناء والتطوير والإنجاز. محمد ولد المنى