في الوقت الذي ترزح فيه العديد من دول العالم تحت وطأة وباء إدمان مشتقات الأفيون، يحذر خبراء المخدرات من موجة جديدة أو وباء من إدمان المنشطات العصبية، مثل الميثافيتامين، والكوكايين، وحتى بعض الأدوية والعقاقير الطبية المنشطة، مثل «الآداريل» و«الريتالين»، وهو الوباء الذي يتغذى على إمدادات وفيرة، من منشطات قوية المفعول، زهيدة الثمن. وحسب البيانات والإحصاءات الصادرة عن الجهات المنوطة بمكافحة المخدرات، فإن إدمان المنشطات العصبية يتزايد بشكل مضطرد، وبشكل أسرع حتى من إدمان مشتقات الأفيون. ففي الولايات المتحدة مثلا، يقدر أن في عام 2016 وحده، سقط 2.3 مليون شخص للمرة الأولى في شباك إدمان مشتقات الأفيون، بينما سقط 2.6 مليون آخرون للمرة الأولى أيضاً في شباك إدمان المنشطات العصبية. وفي العام نفسه، أقر 3.8 مليون شخص باستخدامهم مشتقات الأفيون، مقارنة بـ4.3 مليون أقروا باستخدامهم المنشطات العصبية خلال الشهر السابق. وعلى المنوال نفسه، لكل كيلوجرام واحد من مشتقات الأفيون تم ضبطه من سلطات مكافحة المخدرات في الولايات المتحدة خلال الأعوام الخمسة الماضية، تم بالمقارنة ضبط 15 كيلوجراماً من المنشطات العصبية. وللأسف، في الوقت الذي تعاني فيه العديد من دول العالم هذا الوباء الهائل والمتصاعد، لا يلقى وباء المنشطات العصبية نفس القدر من الاهتمام الذي يلقاه وباء إدمان مشتقات الأفيون. ويعود السبب في ذلك، إلى أن مشتقات الأفيون تعتبر حالياً المسؤول الأول والرئيسي عن الوفيات الناتجة عن إدمان جميع أنواع المخدرات. وهو ما دفع بالرئيس الأميركي الحالي، في منتصف شهر أغسطس الماضي، للخروج إلى الشعب الأميركي من خلال مؤتمر صحفي، ليعلن أن إدمان مسكنات الآلام ومشتقات أو شبيهات الأفيون قد أصبح طارئاً صحياً وطنياً، ولدرجة أن هذه المشكلة الصحية الاجتماعية أصبحت تُصنف على أنها خطر على الأمن القومي الأميركي. ويكفي لإدراك حجم هذه المشكلة حالياً، معرفة أن 90 أميركياً يلقون حتفهم يومياً نتيجة تناول جرعة زائدة من مشتقات الأفيون، ضمن 142 أميركياً يلقون حتفهم يومياً بسبب المخدرات بمختلف أنواعها. وبناء على هذه الوفيات اليومية، تظهر البيانات والإحصائيات أن أكثر من 42 ألف أميركي يلقون حتفهم بسبب الجرعة الزائدة من مسكنات الآلام ومن مشتقات الأفيون، سنوياً. وبخلاف عشرات الآلاف من الوفيات تلك، أدى فرط استهلاك الأميركيين لمشتقات الأفيون إلى أزمة عالمية تتمثل في نقص حاد في هذه الطائفة بالغة الأهمية، كونها تستخدم في العقاقير الطبية، حيث يستهلك الأميركيون حالياً أكثر من 30 ضعف معدل الاحتياجات الطبية من مشتقات الأفيون. وعلى ما يبدو أن الوفيات الناتجة عن المنشطات العصبية، في طريقها للحاق بوفيات مشتقات الأفيون. حيث تظهر البيانات الأولية من مركز التحكم في ومكافحة الأمراض بالولايات المتحدة، أن الوفيات الناتجة عن إدمان المنشطات العصبية زادت بنسبة 30 في المئة في خلال عام واحد فقط، من 5,992 وفاة عام 2016 إلى 7,663 وفاة عام 2017. وهو ما يعني أن وفيات المنشطات العصبية، تقتل حالياً أكثر من ضعف عدد من لقوا حتفهم في هجمات الحادي عشر من سبتمبر، سنوياً. وليس من الواضح أو المفهوم سبب أو أسباب هذه الزيادة في إدمان المنشطات العصبية مؤخراً، وإنْ كان من المعروف أن إدمان المخدرات بجميع أنواعها، يمر بدورات تاريخية. فعلى سبيل المثال، تراجع وباء إدمان الهيروين المنتشر في عقد السبعينات، ليحل محله وباء آخر من إدمان الكوكايين خلال عقد الثمانينات. ومما يزيد الوضع سوءاً، حدوث نوع من التشابك والتراكب بين وبائي إدمان مشتقات الأفيون وإدمان المنشطات العصبية. حيث يؤدي استخدام مشتقات الأفيون إلى تثبيط الجهاز العصبي المركزي، وهو ما يدفع هؤلاء المدمنين إلى استخدام المنشطات العصبية، كي يتمكنوا من الذهاب إلى عملهم، وتربية أطفالهم، وقضاء احتياجاتهم. وتتمركز مخاوف الخبراء والمتخصصين حالياً حول صعوبة علاج مدمني المنشطات العصبية، مقارنة بمدمني مشتقات الأفيون، بالإضافة إلى عدم وجود عقار مضاد أو مصل يمكنه إنقاذ حياة من يتلقون جرعة مفرطة. وتتسبب المنشطات العصبية في ضرر فادح وأكبر على الجسم، بسبب تأثيرها المباشر على الجهاز الدوري –القلب والشرايين- وتسببها في ارتفاع ملحوظ في ضغط الدم، وفي تلف الأعضاء الحيوية، والإصابة بأمراض القلب، وأمراض الرئتين، والسكتة الدماغية.