في الوقت الذي أصبح معروفاً لدى الكثيرين مدى فداحة وخطورة زيادة الوزن والسمنة على صحة الفرد، وارتباطهما بكتالوج متنوع من العلل والأمراض، لا زال الكثيرون يجهلون تأثير السمنة على الكبد، وهو التأثير الذي يكلف البعض حياتهم أحياناً، ويتلخص هذا التأثير في الحالة المعروفة بالكبد الدهني، أو تجمع حويصلات كبيرة الحجم من الدهون الثلاثية «الترايجلسريد» داخل خلايا الكبد، كشكل من أشكال الاختزان غير الطبيعي للدهون داخل هذه الخلايا. ورغم تنوع وتعدد أسباب حدوث هذا الاختلال الفسيولوجي، فإنه يعتبر مرضاً واحداً، ينتج في الغالب من سببين رئيسين؛ فرط تناول الكحوليات، والسمنة. ومن الصعب طبياً التفرقة بين الكبد الدهني الناتج عن فرط شرب الكحوليات، وعن الكبد الدهني الناتج عن زيادة الوزن والسمنة، إلا أن كليهما يتميز بتراكمات دهنية في شكل حويصلات صغيرة، أو حويصلات كبيرة الحجم. وكثيراً ما يترافق الكبد الدهني (Fatty Liver) بحالة من الالتهاب العام في الكبد، تتطور في حوالي 10 في المئة من المرضى إلى الإصابة بتليف الكبد، وهو ما يؤدي لاحقاً إلى فشل الكبد، أو الإصابة بسرطان الكبد. ويقدر أن 10 في المئة من المصابين بتليف الكبد -نتيجة الإفراط في شرب الكحوليات- يصابون بسرطان خلايا الكبد، وهي العلاقة التي تتواجد أيضاً بين تليف الكبد الناتج عن السمنة، وبين سرطان خلايا الكبد، وإن كانت نسبة الإصابات لم تحدد بعد. ويرتبط الكبد الدهني ارتباطاً وثيقاً بعدد من الاختلالات الفسيولوجية الأخرى، ففي نصف حالات مرضى الكبد الدهني، نجد أن هؤلاء المرضى مصابون أيضاً بالسكري، أو بالحالة المعروفة بالمنظومة الأيضية. والمنظومة الأيضية (Metabolic Syndrome) هي عبارة عن مجموعة من الأعراض والعلامات المتباينة والمتنوعة، الناتجة عن حدوث اختلال في العمليات الحيوية الكيميائية داخل الجسم. وعلى رغم أن توصيف هذه المنظومة يعود لعقد السبعينيات، فإن عام 1988 شهد انتشار استخدامها بين أفراد المجتمع الطبي، عندما تم التنظير بأن السمنة، والسكري من النوع الثاني، وارتفاع ضغط الدم، جميعها أمراض ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمقاومة الجسم لمفعول هرمون الإنسولين. وهو ما يفسر أن بعض الأشخاص المصابين بالسكري، أو ارتفاع ضغط الدم، أو السمنة، قد يكونون مصابين باثنين أو أكثر من هذه الأمراض في نفس الوقت. فمن المعتاد والشائع أن نسمع بأن شخصاً ما، مصاب بالسمنة والسكري، أو السكري وارتفاع ضغط الدم، أو السمنة وارتفاع ضغط الدم، أو السمنة والسكري وارتفاع ضغط الدم معاً. والمؤسف أنه على رغم أن كل واحد من هذه الأمراض يؤدي إلى تلف في الشرايين، فإن هذا التلف يتضاعف عدة مرات في حالة وجودها معاً. وهو ما يجعل الأشخاص المصابين، بأكثر من مرض من هذه الأمراض الثلاثة، أشد عرضة للوفاة من الذبحة الصدرية، أو السكتة الدماغية، أو غيرها من الأمراض التي ترتبط بانسداد الشرايين وتصلب جدرانها. ولذا في مثل تلك الحالات، لا يشخص هذا المريض على أن مصاب بالسكري، وارتفاع ضغط الدم، والسمنة، كلاً على حدة، بل على أنه مصاب بالمنظومة الأيضية مجتمعة، والتي تعرف أحياناً بمنظومة مقاومة الجسم للإنسولين، بسبب التركيز العالي من هرمون الإنسولين في الدم دون أن تستجيب الخلايا لمفعوله المؤدي لخفض مستوى السكر. ورغم خطورة الكبد الدهني، والمتجسدة في الالتهاب المرافق له، واحتمال تحوله بمرور الوقت إلى تليف الكبد وفشله، أو إصابة خلاياه بالسرطان، فإنها حالة من الممكن علاجها في مراحلها الأولى بسهولة، من خلال مواجهة السبب. ففي حالة الكبد الدهني مثلاً الناتج عن زيادة الوزن والسمنة، يؤدي خفض الوزن -بقدر كاف- إلى تحسن واضح في حالة الكبد، ولانخفاض كميات الدهون المختزنة داخل خلاياه، ولتراجع حدة الالتهاب، وهو ما ينطبق أيضاً عند التوقف عن شرب الكحوليات، أو على الأقل الامتناع عن الإفراط في تعاطيها. وللأسف، إذا ما تطور الكبد الدهني إلى تليف شديد في الكبد، ينتج عنه بدوره فشل الكبد في أداء وظائفه، فلا يمكن في هذه الحالات العودة بعقارب الساعة للوراء، ويصبح الأمل الوحيد لهؤلاء المرضى هو زراعة الكبد، بتكلفتها الباهظة جداً، وبباقي المضاعفات والمصاعب المرتبطة بزراعة الأعضاء عموماً.