بطبيعة الحال، يبدو من الواضح أننا سننتظر لفترة طويلة قبل أن يتمكن أي مؤرخ أو باحث مهتم بهذا الجانب من الحياة الأميركية، من البحث والتنقيب في فترة رئاسة دونالد ترامب، على النحو الذي قام به المؤرخ «روبرت كارو» في دراسته الشهيرة حول «ليندون جونسون» وفترته الرئاسية. فقد نشر «كارو» الجزء الأول من كتابه «الطريق إلى السلطة» في عام 1982، أي بعد مرور ما يقرب من عقد من الزمن على وفاة «جونسون»، وبعد مرور 38 عاماً أخرى، لا يزال هذا المؤرخ يعمل على إكمال الجزء الخامس من سفره الضخم. وهكذا قد يكون الأمر أيضاً مع «دونالد ترامب، كما هو الحال مع جميع الرجال والنساء الذين غيروا التاريخ». وسيتعين علينا الانتظار حتى نصل إلى نهاية القصة الحالية، كي نستطيع أن نضع أيدينا على المصادر الأساسية لما يحدث ويجري من وقائع وظواهر وقرارات. وسنحتاج أيضاً إلى مؤرخ موهوب وعازم على سبر أغوار الحقائق والأسرار بكل صدق وتجرد. ولا بد من اعتبار الكتب الكثيرة الصادرة حول ترامب التي تظهر على طول الطريق على أنها مجرد مصادر معينة ومرشدة، ينبغي تقييمها بقدر فائدتها في المشروع النهائي، وبالطبع بناءً على مدى مصداقية محتوياتها. ولا شك في أن كتاب «رونالد كسلر» الجديد، الصادر في الآونة الأخيرة تحت عنوان «ترامب في البيت الأبيض.. وتغيير قواعد اللعبة» جدير بالثقة إلى حد كبير، فقد مثل طرحاً استثنائياً في هذه الأيام، لاسيما أن مؤلفه هو أحد مؤيدي الرئيس ترامب. يكتب «كسلر» بعبارة شديدة الوضوح: «إن كثيراً من إنجازات ترامب تم طرحها بتحفظ شديد أو لم يتم تسليط الضوء عليها من الأساس»، وهو لا يتحفّظ على تناول أي موضوع يتعلق بترامب وسياساته ومواقفه، بل يبالغ في بعضها أحياناً، لكنه دوّن كل شيء وقع في «الموسم الأول» من رئاسة ترامب. ومن بين انتصارات ترامب، يشير «كسلر» إلى أبرز إنجازين له، وهما: «تعيين قاضي المحكمة العليا نيل جورسك»، و«تخفيض الضرائب وقانون الإصلاح الضريبي». ويشير المؤلف في كتابه إلى حوار أجراه مع ترامب عشية العام الجديد في منتجع «مارا لاجو»، يتضح من خلاله أن الرئيس واثق من سلامة خطواته، وأنه يشعر بالارتياح في منصبه. ويبدو كتاب «كسلر» عملاً مهنياً، بل مساهمة مفيدة على صعيد جمع المواد من مصادرها حول ترامب ورئاسته، وإن لم ينس تغريداته المثيرة بالنسبة للكثيرين أحياناً. وقد سبق لـ«كسلر»، وهو مراسل سابق لصحيفة «واشنطن بوست»، أن نشر 21 كتاباً تتعلق في معظمها بموضوعات من الحياة العامة الأميركية. وقد اعتمد في كتابه الأخير، والذي نتناوله هنا، على لقاءات كثيرة مع مصادر بارزة في موسم الانتخابات الرئاسية الأميركية (2016 –2017)، من بينهم «رينس بريبوس» و«ستيفن بانون» و«كيليان كونواي» و«سين سبايسر» وغيرهم. لذلك السبب يستحق كتاب «ترامب في البيت الأبيض» قراءة متأنية للاطلاع على تسلسل الأحداث داخل عالم ترامب، لاسيما في عام 2017، حيث نجد المؤلف يجول بأريحية في هذا العالم، وبأسلوب متسق وسهل القراءة، مقدماً تقييمات للشخصيات المحورية في حملة ترامب الانتخابية، مثل «ستيف بانون»، موضحاً أن أفراد العمل في البيت الأبيض اجتمعوا على غاية واحدة ألا وهي تأييد الرئيس وتجسيد الأمل في تحقيق أجندته الانتخابية الرئاسية. ويزعم «كسلر» أن القراء ربما توجد لديهم فجوات في درايتهم بشأن البيت الأبيض في عهد مرحلة ترامب الرئاسية. ولعل من أبرز هذه الفجوات المعرفية ما يتعلق بـ«وضع ملانيا ترمب»، إذ يكشف الكتاب أن السيدة الأولى لديها تأثير كبير داخل البيت الأبيض، وأنها هي من كان يقرر من يجري حواراً مع ترامب ومتى يكون إجراء الحوار وأين يُجرى. ويقدم هذا الكتاب لقرائه إطلالة سريعة على صعود ترامب، فالزمن في كتاب «ترامب في البيت الأبيض» يمضي سريعاً وبلا هوادة، ويواجه المؤرخون لرئاسة ترامب هذه المشكلة على نطاق غير مسبوق، مقارنة بالإدارات السابقة، وسط تغييرات سريعة وكثيرة جداً، ليس فقط على صعيد فريق العمل، ولكن في النص أيضاً. لكن الحقيقة هي أن ترامب فاز في عام 2016، ولا أحد «يضع الاستراتيجية الكبرى لترامب باستثناء ترامب»، والحوار الصحفي الذي أجراه كسلر مع ترامب يذكرنا بالسبب في أن الرئيس الأميركي الحالي يحافظ على مستشاريه، بينما يتشاور مع مجموعة عريضة ويرتقب نهاية اللعبة الذهنية، وهي واحدة من أبرز العلامات أو الأسرار الخاصة بنجاح ترامب، كما يصفها كسلر. وتزامن طرح الكتاب مع نهاية عمل «ريكس تيلرسون» في منصبه السابق كوزير لخارجية الولايات المتحدة، وتعيين «مايك بومبيو» بدلاً عنه، وهو أميركي مخلص وكفؤ، له خليفة يمينية خلال سنوات عمله كمشرع وسياسي يميني معروف في دوائر واشنطن، بينما تم اختيار «جون بولتون» ليصبح ثالث مستشار للأمن القومي في 14 شهراً، فيما تم تعيين المتحمس دائماً صاحب الشخصية الجذابة «لاري كودلو» كبيراً للمستشارين الاقتصاديين للرئيس. ومشاهدة جل تلك التغييرات تُذكر بأن كل شيء في هذه الرئاسة طارئ، ولن تكون هناك أية تقييمات لها جديرة بالاعتبار حتى نهايتها. ومثل فيلم عنف طويل جداً، تضاف له مشاهد يومياً، ومع تغريدات وتعليقات الرئيس العفوية التي تبدو مثل ملاحظات المخرج، يعتبر كتاب «كسلر» قراءة لفيلم لا يزال في مراحل تصويره وإنتاجه الأولى، ولا يزال أمامه ثلاث سنوات على الأقل قبل العرض. وعلى الرغم من كل ذلك، لا يخلو الكتاب من الفائدة، حتى وإن تم سرد القصص فيه أكثر من مرة. فهو يحتوي على كثير من المعلومات الجديدة، واللقاءات الصحفية. ومن غير المفاجئ أنه سيكون الأول ضمن سلسلة من الكتب، التي تصدر ربما سنوياً، مثل تحديثات الموسوعة العالمية القديمة! وائل بدران الكتاب: ترامب في البيت الأبيض المؤلف: رونالد كسلر الناشر: كراون فورم تاريخ النشر: 2018