كل عام في الرابع عشر من شهر يونيو، ومنذ عام 2004، تحتفل المؤسسات الصحية والطبية حول العالم بذكرى اليوم العالمي للتبرع بالدم. وتتمحور دائماً فعاليات هذه الاحتفالية السنوية حول تقديم الشكر والامتنان للمتبرعين بالدم، تطوعاً ودون مقابل، للهدية التي يقدمونها لإنقاذ حياة الكثيرين، ولزيادة مستوى الوعي العام بالحاجة المستمرة إلى التبرع بالدم للحفاظ على إمدادات كافية، وذات نوعية جيدة من الدم، ومن مشتقاته، لمن يحتاج إليها من المرضى والمصابين. فالثابت والمؤكد أن عمليات نقل الدم ومشتقاته، تساعد على إنقاذ حياة الملايين كل عام، حيث يمكنها أن تمد يد النجاة للمرضى الذين يعانون أمراضاً واعتلالات صحية تهدد حياتهم، وتساعدهم على البقاء على قيد الحياة لفترة أطول، والتمتع بمستوى أفضل من الصحة، كما أن عمليات نقل الدم تعتبر إجراءً أساسياً وحيوياً في العديد من التدخلات الطبية والجراحية، وتلعب دوراً محورياً في فعالية وكفاءة الرعاية الطبية المقدمة للأمهات الحوامل وأطفالهن، وخلال الكوارث، سواء ما كان منها كوارث طبيعية أو ما كان من صنع الإنسان. وعلى صعيد الأمهات الحوامل وأطفالهن، تشير التقديرات إلى أنه بمرور كل يوم تلقى 800 امرأة حتفها، نتيجة المضاعفات الصحية المرتبطة، بالحمل والولادة. ويعتبر النزيف الحاد خلال الولادة، وبعد الوضع، من الأسباب الرئيسية لهذه الوفيات، ولتلك المضاعفات الصحية الخطيرة، ولذا دائماً ما تهدف حملات التوعية بالتبرع بالدم، إلى زيادة الوعي بأهمية توافر كميات كافية من الدم المتبرع به، ومن مشتقاته، بشكل آمن وسليم، كإجراء أساسي ضمن الجهود الرامية لخفض معدلات الوفيات بين الأمهات الجديدات. ولذا، تعتبر خدمات جمع الدم من المتبرعين، وفحص أمنه وسلامته، وتخزينه، وفصل مكوناته، ثم توزيعه على الجهات التي تحتاج إليه، أو ما يعرف عامة ببنوك الدم، مكوناً أساسياً من أي نظام رعاية صحية فعال، يقدم الخدمات الأساسية لأفراد المجتمع. وإنْ كانت استمرارية إمدادات الدم، تعتمد اعتماداً كليا على التبرعات المستمرة من متبرعين غير مدفوعي الأجر، فإن هذا الهدف، يشكل في حد ذاته تحدياً للعديد من الدول، ما يجعل من الصعب على نظم الرعاية الصحية بها توفير كميات كافية من الدم الآمن أو نوعية جيدة. فللأسف، لا يزال حجم وعدد مرات التبرع بالدم في الكثير من دول العالم، قاصراً عن تحقيق متطلبات الكثيرين ممن يقعون ضحايا لأمراض وإصابات خطيرة، ولذا يمكن وصف الوضع الصحي العالمي بأنه يعاني نقصاً مزمناً في الدم المتبرع به. والمفارقة الغريبة أن معدلات أو نسب التبرع بالدم، تختلف وتتباين بشكل كبير بين شعوب الدول الفقيرة وشعوب الدول الغنية. فعلى الرغم من أن شعوب الدول الغنية تشكل 18 في المئة من سكان العالم، إلا أنها تتبرع بـ 50 في المئة من إجمالي التبرعات السنوية بالدم، وهو ما يتساوى مع حجم التبرعات من سكان الدول متوسطة الدخل والدول الفقيرة، الذين يشكلون 82 في المئة من سكان العالم. ففي المتوسط، يتبرع أفراد مجتمعات الدول الغنية بالدم، بمعدلات تزيد على تسعة أضعاف معدلات التبرع في الدول منخفضة الدخل. ويمتد هذا التباين ليشمل أيضاً استخدامات الدم المتبرع به في الفئات العمرية المختلفة، ففي الدول الغنية نجد أن 76 في المئة من الدم المتبرع به يستخدم لعمليات نقل الدم في الشريحة العمرية الأكبر من 65 عاماً، بينما في الدول الفقيرة يستخدم 65 في المئة من الدم المتبرع به لإنقاذ حياة الأطفال دون سن الخامسة. وأمام النقص العالمي المزمن في الكم المتوافر من الدم البشري، لجأ الأطباء والعلماء إلى البحث عن بدائل كيماوية أخرى، قادرة على تنفيذ وظيفة الدم الأساسية في نقل الأوكسجين للخلايا والأنسجة، على الأقل كإجراء مؤقت في وقت الطوارئ والحوادث، وهو ما يعرف ببدائل الدم أو الدم الاصطناعي، ولكن للأسف ما زال هذا البديل غير متوافر، على الرغم مما يستثمر في هذا المجال من أبحاث ودراسات. وتظل الحقيقة الجلية في اليوم العالمي للتبرع بالدم، أن ملايين الأشخاص حول العالم يدينون بحياتهم حالياً لأُناس لا يعرفونهم، ولم يلتقوا بهم أبداً، ولكن كانت دماء أولئك الغرباء هي السبيل الوحيد لإنقاذ حياتهم في وقت ما. وسيظل دائماً هناك الملايين، الذين يحتاجون حالياً، أو سيحتاجون في المستقبل، لنقل دم، سواء نتيجة حادث خطير، أو تدخل جراحي، أو مرض عضال.