ما هو أكبر خطر من الصين بالنسبة للولايات المتحدة: (أ) فائضها التجاري مع الولايات المتحدة، (ب) سرقتها للتكنولوجيا الأميركية، (ج) اعتداءاتها في بحر جنوب الصين؟ معظم الخبراء سيقولون (ب) و(ج) في حين أن الرئيس دونالد ترامب يعتقد أنه (أ). ولكن هنا تكمن مشكلة كبيرة. فترامب يتحدث باستمرار عن فائض الصين التجاري مع الولايات المتحدة البالغ 375 مليار دولار. ويقول «لا يمكننا أن نسمح باستمرار هذا الأمر!». ولكن ما لا نستطيع السماح به حقاً هو جهل الرئيس الكبير بالقواعد الاقتصادية الأساسية. فترامب يتصرف كما لو أن الصين تسرق منا لأننا نشتري من سلعها أكثر مما تشتري من سلعنا. وبالمنطق نفسه، فربما يعتقد ترامب أن البقالة التي أتسوق منها تسرق مني عندما تبيع لي ما قيمته 100 دولار من المواد الغذائية من دون أن تشتري مني ما قيمته 100 دولار من الكتب بالمقابل. والواقع أن كلينا نتلقى شيئاً ذا قيمة - فأنا أحصل على الطعام والبقالة تحصل على المال - على الرغم من أنني أسجّل عجزاً تجارياً. وفي حالة الصين، فإننا نحصل على أشياء مختلفة، من شاشات «ليد» إلى القفازات البلاستيكية ذات الاستعمال الوحيد. وفي الوقت نفسه، تشتري الصين الكثير من الأشياء منا - ما قيمته 130 مليار دولار من السلع في 2017، ما يجعل من الصين الوجهة الثالثة للصادرات الأميركية. وتلك علاقة مفيدة للطرفين قد يعرّضها ترامب للخطر من خلال خطاب الحرب التجارية الذي ينخرط فيه، حتى في الوقت الذي تفاقم فيه سياساتُه الاقتصادية العجزَ التجاري في الواقع. خفض الضرائب وزيادة الإنفاق اللذان أقرهما ترامب أخذا يحفزان الطلب، ولكن بالنظر إلى أن الاقتصاد بلغ مستوى التوظيف الكامل، فإن الولايات المتحدة لا تستطيع إنتاج كل السلع التي يريد المستهلكون شراءها. وبالتالي: علينا أن نستورد أكثر، ولهذا، فإن العجز التجاري يزداد. ولو كان ترامب يريد حقاً تقليص العجز التجاري، لقام بخفض عجز الميزانية. ولا شك في أن ثمة مشاكل أخطر بخصوص التجارة مع الصين. ذلك أن بكين تنتهك حقوق الملكية الفكرية، وتنتج سلعاً مزورة، وتتعامل تجارياً مع أنظمة مارقة. وهذه كلها انتهاكات لقواعد التجارة الدولية تستطيع الولايات المتحدة متابعتها بتنسيق مع حلفائها من خلال منظمة التجارة العالمية، بحيث تستهدف المنتهكين بعقوبات، إن دعت الضرورة. غير أنه من الصعب القيام بذلك عندما تكون الولايات المتحدة نفسها تخرق قواعد منظمة التجارة العالمية عبر فرض رسوم جمركية على شركاء تجاريين كبار. ومما يزيد من حالة التناقض أن ترامب أخذ يرفع فعلياً العقوبات عن عملاق الاتصالات الصيني «زي. تي. إي» على الرغم من انتهاكاته الموثقة لقواعد التجارة الأميركية - بما في ذلك تصدير معدات الاتصالات الأميركية إلى إيران وكوريا الشمالية. وبينما يصعّد ترامب النزاع التجاري مع الصين، فإنه لا يركز على عمليات الضم غير القانونية التي تقوم بها الصين في بحر جنوب الصين. فقد أنشأت الصين سلسلة من القواعد العسكرية على جزر اصطناعية ستسمح لها بالهيمنة على هذا الممر المائي الحيوي والاستراتيجي الذي يعبره ثلث السفن البحرية في العالم على الرغم من أن أجزاء كبيرة منه تتبع لبلدان أخرى. كما قامت الصين بنشر صواريخ كروز مضادة للسفن وصواريخ أرض-جو على جزر سبراتلي، ووضعت للتو قاذفة قنابل استراتيجية إتش-6 كي على جزر باراسيل. وفي هذا الصدد، يحذر الأدميرال فيليب ديفيدسون من القيادة الأميركية لمنطقة المحيط الهندي- الهادي من أن «الصين باتت قادرة الآن على السيطرة على بحر جنوب الصين في كل السيناريوهات دون سيناريو حرب مع الولايات المتحدة». وقد عبّر وزير الدفاع الأميركي جيم مايس عن قلقه عبر سحب دعوة إلى البحرية الصينية للمشاركة في مناورات بلدان حافة المحيط الهادي، وعبر تكثيف دوريات «حرية الملاحة». ويوم الثلاثاء، حلّقت قاذفتا قنابل من طراز «بي 52» بالقرب من جزر سبراتلي. ومن الواضح أن هذه الإجراءات اتخذت بمبادرة من وزير الدفاع، وليس من الرئيس المنشغل بأشياء أخرى. والحق أن ترامب يستحق الإشادة لتوقيعه زيادة في ميزانية الدفاع ستمكّن البحرية من توسيع أسطولها والانتقال من 280 سفينة إلى 326 سفينة بحلول 2023. وهذا تحسن كبير في القدرات الأميركية من أجل تحدي القدرات العسكرية المتزايدة للصين، ولكنه ما زال دون مستوى الـ355 سفينة التي تحتاج إليها البحرية من أجل تنفيذ كل مهامها. ولكن حتى في ظل هذه الزيادة في القدرات العسكرية البحرية، فإن الولايات المتحدة ستجد صعوبة كبيرة في الإبقاء على بحر جنوب الصين مفتوحاً بنفسها. صحيح أن لدى الولايات المتحدة الكثير من الحلفاء الآسيويين، ولكن ترامب يبدو منهمكا في استعدائهم - ولنتأمل هنا انسحابه من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي، ورفضه منح اليابان إعفاء من رسوم الفولاذ والألومينيوم. إن سياسة «أميركا أولاً» التي يتبناها ترامب تسمح للصين فعلاً بأن تكون القوة الأولى في شرق آسيا. وكل خطابه حول العجز التجاري لا يعمل إلا على إلهائه وإلهائنا عن الخطر الحقيقي. ماكس بوت كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»