عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية لدولة ما، فإننا نفكر في قوة هذه الدولة من منظور هيمنتها العسكرية. وعلى أية حال، فالميزانية العسكرية للولايات المتحدة الأميركية هي الأكبر على وجه الكرة الأرضية. وخلال العام الماضي، كانت أكبر من مثلي الميزانية العسكرية للصين، ثاني أكبر الدول من حيث الإنفاق العسكري. وبالطبع، تمتلك الولايات المتحدة نفوذاً اقتصادياً هائلاً، وهو أحد الأصول التي قد تَفُوق الدبابات والجنود قوةً. فالاقتصاد الأميركي هو الأكبر عالمياً، مما يسمح لواشنطن بممارسة هيمنة أكبر على كثير من أدوات القوة. وتعرف إدارة الرئيس دونالد ترامب، مثل سابقاتها، ذلك جيداً. ولهذا السبب يبدو قرار ترامب المفاجئ بإنقاذ شركة اتصالات صينية تواجه قيوداً تجارية أميركية صارمة، محيراً، وربما مقلقاً. فقد تكون له تداعيات خطيرة ليس فقط على الحروب الاقتصادية المتزايدة لأميركا مع الصين، ولكن أيضاً على السياسة الخارجية الأميركية عموماً. وقد غرّد ترامب على نحو غير متوقع،، قائلاً إنه وجّه وزارة التجارة الأميركية بمنح شركة الهواتف الصينية العملاقة «زد تي ئي» سبيلاً للعودة إلى العمل.. وبسرعة. وكانت الولايات المتحدة قد غرّمت «زد تي ئي» 1.19 مليار دولار العام الماضي، في إطار تسوية بعد شحن الشركة بصورة غير قانونية أجهزة اتصالات إلى إيران وكوريا الشمالية. وفي إبريل الماضي فقط، حظرت وزارة التجارة على الشركات الأميركية بيع مكونات إلى «زد تي ئي» للعام السابع على التوالي، بسبب انتهاكها للحظر على تينك الدولتين. وبعد حظر تعامل الموردين الأميركيين مع «زد تي ئيى، كانت الشركة الصينية على وشك الانهيار، قبل أن يهب ترامب لنجدتها، فيما يبدو قلقاً من تأثير الحظر على العمال الأميركيين! وليس من الواضح، ما دفع ترامب إلى اتخاذ ذلك القرار، لكن السبب المرجّح هو أن الرئيس الأميركي يسعى إلى إبرام «صفقة كبرى» مع الصين بشأن القضايا التجارية، أملاً في التراجع عن حرب التعرفات الجمركية. وكشف زميلي في «واشنطن بوست»، جوش روجين، أن الصين طالبت بـ«تعامل مناسب في قضية (زد تي ئي)» ضمن قائمة مقترحات أرسلتها إلى إدارة ترامب بعد زيارة مسؤولين في البيت الأبيض إلى العاصمة الصينية. ومن الواضح أن القرار بشأن «زد تي ئي» جاء عقب زيارة المسؤول الاقتصادي رفيع المستوى ونائب رئيس الوزراء الصيني «ليو هي»، إلى واشنطن، للقاء مسؤولي التجارة في البيت الأبيض. ويبدو أن ترامب المتلهف على إبرام اتفاق سريع قد أذعن لذلك المطلب الصيني المهم. غير أن التهديد بحرب تجارية، ثم التراجع عنها بصورة مفاجئة، ثم إعلانها من جديد، لا يبدو الخطوة التفاوضية المثلى عند التعامل مع بكين. ومثلما أشار «دان دريزنر»، الأستاذ في جامعة «تفتس» الأميركية، يبدو فعل ذلك مثل تنازل من جانب ترامب في وجه تحفظ الرئيس «شي جينبينج». غير أن القرار بشأن «زد تي ئي» قد يسبب مشكلات أكبر فيما يتعلق بالسياسة الخارجية الأميركية. وتتجاوز المخاوف إزاء «زد تي ئي» في الولايات المتحدة مجرد الاعتبارات التجارية البسيطة التي أشار ترامب إليها، إذ أوضح مسؤول كبير في إدارة مكافحة التجسس الأميركية أمام لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، أن الشركة الصينية ربما تكون أداة للتجسس تابعة لحكومة بلادها. وحظرت وزارة الدفاع الأميركية بيع أجهزة هواتف «زد تي ئي» في متاجر بالقواعد العسكرية، معتبرة أنها تشكل تهديداً أمنياً. آدم تايلور: كاتب متخصص في الشؤون الخارجية يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»