منذ منتصف الأسبوع الماضي، تقيم المؤسسات الصحية الدولية، والمنظمات الطبية الخيرية العاملة في مجال الصحة العامة، فعاليات وأنشطة متنوعة ومتعددة، احتفالاً بالأسبوع العالمي للرضاعة الطبيعية، والذي يستمر كل عام خلال أيام الأسبوع الأول من شهر أغسطس. ويأتي هذا الاحتفال السنوي إحياء لذكرى «إعلان الأبرياء» في أغسطس من عام 1990، والذي شاركت فيه منظمة الصحة العالمية، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة أو «اليونيسيف»، والعديد من المنظمات الأخرى، بالإضافة إلى واضعي السياسات والمشرعين في مختلف دول وحكومات العالم.
ويأتي هذا الاهتمام العالمي بالرضاعة الطبيعية، كونها من أفضل السبل وأكثرها فعالية في دعم صحة الأطفال الرضع، وفي خفض معدلات الوفيات بينهم. فعلى حسب الدراسات، إذا ما تم تعميم وتطبيق الرضاعة الطبيعية بشكل واسع، وإذا ما توفرت الرضاعة الطبيعية للجزء الأكبر من الأطفال الرضع، فسيؤدي ذلك إلى خفض عدد الوفيات بين أفراد هذه الطائفة العمرية بمقدار 820 ألف وفاة سنوياً.
وينتج هذا الخفض في عدد الوفيات في معظمه، من حقيقة أن حليب الأم يعتبر الغذاء المثالي لحديثي الولادة وللأطفال الرضع. فبخلاف أنه غذاء آمن، يحتوي حليب الأم على أجسام مضادة يمكنها توفير الحماية للطفل الرضيع ضد بعض أمراض الطفولة، مثل أمراض الإسهال والالتهاب الرئوي، واللذين يعتبران السببين الرئيسيين خلف الجزء الأكبر من الوفيات بين الأطفال حول العالم. كما أن حليب الأم متوفر دائماً، مما يضمن إمكانية توفير غذاء مناسب وكاف للطفل الرضيع.
وبخلاف الفوائد قصيرة المدى للأطفال الرضع، توفر الرضاعة الطبيعية فوائد أخرى على المدى الطويل، حيث تظهر الدراسات والأبحاث أن المراهقين والبالغين الذين تم إرضاعهم طبيعياً في الأيام والشهور الأولى من حياتهم، تنخفض لديهم معدلات الإصابة بزيادة الوزن والسمنة، وبالسكري من النوع الثاني، كما أنهم يؤدون بشكل أفضل في اختبارات الذكاء، مقارنة بأقرانهم الذين لم يرضعوا طبيعياً.
وعلى صعيد الفوائد التي تجنيها الأم المرضعة، نجد أن الرضاعة الطبيعية الحصرية تعتبر من وسائل منع الحمل الطبيعية، وبنسبة نجاح تبلغ 98 في المئة ضد حدوث حمل جديد، خلال الشهور الستة الأولى. كما أن الرضاعة الطبيعية تحقق للأم المرضعة قدراً من الوقاية ضد سرطان الثدي، وسرطان المبيض، وداء السكري من النوع الثاني، بالإضافة إلى الوقاية من الحالة المعروفة باكتئاب ما بعد الولادة.
ويخطأ من يعتقد أن يمكن جني نفس الفوائد طويلة المدى للرضاعة الطبيعية للطفل والأم، بالاعتماد على حليب الأطفال أو ما يعرف بالحليب البودرة. هذا بالإضافة إلى أن الحليب البودرة إذا ما لم يتم تحضيره بالشكل السليم، فيحتمل أن يؤدي لمضاعفات خطيرة، من جراء استخدام مياه ملوثة، أو معدات تحضير غير معقمة، أو حتى من احتمال وجود بكتيريا في الحليب البودرة ذاته. وفي بعض الأحيان، يتعرض الأطفال الذين تتم تغذيتهم بالحليب البودرة، لسوء التغذية، نتيجة زيادة تخفيف الحليب فوق الحد الموصى به، حتى يتسنى استخدام المتاح منه لأطول فترة ممكنه، كما أن إذا ما تعذر الحصول على الحليب البودرة، فسيصبح من الصعب حينها العودة للرضاعة الطبيعية، نتيجة تراجع إفرازه من ثدي الأم.
ومؤخراً تحولت قضية الرضاعة الطبيعية إلى محل خلاف وتراشق بالألفاظ والعبارات بين زعماء العالم، ورؤساء الحكومات والدول. ففي تقرير نشر منتصف يوليو الماضي، ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» أن ممثلي الولايات المتحدة اشتبكوا في معركة سياسية لفظية مع المئات من ممثلي الدول الأخرى خلال اجتماع دولي عقد في فصل الربيع الماضي لإصدار قرار يحث دول العالم على تشجيع الرضاعة الطبيعية. ووفقاً للتقرير، اعترض ممثلو الولايات المتحدة على نص القرار، وبالتحديد جزؤه المتعلق بمطالبة حكومات العالم بدعم ممارسات الرضاعة الطبيعية، بل الأدهى من ذلك، أن ممثلي الولايات المتحدة لجأوا إلى تهديد ممثلي الدول الأخرى، لإرغامهم على سحب تأييدهم للنص المقترح.
ويمكن تلخيص توصيات منظمة الصحة العالمية فيما يتعلق بالرضاعة الطبيعية في الآتي:البدء في الإرضاع بدءاً من الساعة الأولى بعد الولادة، وأنه يجب إرضاع الأطفال حديثي الولادة بشكل حصري خلال الشهور الستة الأولى من حياتهم، لتحقيق أفضل قدر من النمو، وللحفاظ على أعلى مستوى من الصحة والوقاية من الأمراض. بعد ذلك، ولسد باقي احتياجات الطفل الغذائية، يمكن إضافة أنواع جيدة ومناسبة من الأغذية الأخرى تدريجياً. يجب أن يظل الطفل يرضع من أمه لمدة عامين على الأقل، أو أكثر إذا أمكن، حتى بعد إضافة الأغذية الأخرى لطعامه اليومي.