تتزايد مخاوف بعض العلماء، أو بالأحرى قلة منهم، بأن الجنس البشري مهدد بالانقراض، نتيجة التراجع الملحوظ في عدد وحيوية الحيوانات المنوية لدى الرجال. ورغم أنه لا يوجد اتفاق عام على هذا الاستنتاج الدراماتيكي، إلا أن الجميع شبه متفقين على أن عدد وحيوية الحيوانات المنوية، وخصوصاً بين رجال شعوب الدول الغربية والدول الصناعية، قد تراجع بشكل ملحوظ خلال العقود القليلة الأخيرة. ولا يوجد حالياً تفسير واضح لأسباب هذه الظاهرة، وإن كانت أصابع الاتهام أحياناً ما توجه إلى التلوث الكيماوي الناتج عن الإفراط في استخدام المبيدات الحشرية، ومنتجات البلاستيك، والسمنة، والتدخين، والتوتر المزمن، ونوعية الغذاء، وربما حتى الإفراط في مشاهدة التليفزيون جلوساً، بدلا من ممارسة الرياضة والنشاط البدني.
وترتبط حيوية وعدد الحيوانات المنوية ارتباطاً وثيقاً بالخصوبة، والتي تُعرّف على أنها القدرة على إنجاب ذرية، بينما يشير (معدل) الخصوبة إلى عدد الذرية التي أنجبها زوجان، أو تلك التي أنجبها شخص ما أو المجتمع برمته. ومن المعروف أن الخصوبة ومعدلها يتأثران بعوامل عدة متداخلة ومتشابكة، مثل كمية ونوع التغذية، والهرمونات، والسلوك الجنسي، والثقافة المجتمعية، والتوقيت، والحالة الاقتصادية، ودرجة القرابة، والغريزة، ونمط الحياة الشخصية، والمشاعر والأحاسيس.
ومؤخراً، تزايد الإدراك بأهمية العلاقة بين النشاط البدني وممارسة التمارين الرياضية وبين عدد وحيوية الحيوانات المنوية، وخصوبة الرجل بوجه عام، وإن كانت أبعاد هذه العلاقة وبعض جوانبها لا زالت غير واضحة بشكل تام، ومحاطة بعدد من الأسئلة والاستفسارات. وفي الوقت الذي تظهر فيه بعض الدراسات أن ممارسة النشاط البدني والتمارين الرياضية يشكل استراتيجية فعالة وغير مكلفة، لتحسين حيوية وعدد الحيوانات المنوية في الرجال الذين يحيون حياة نمطها الكسل، إلا أنه ليس من الواضح أو المؤكد أن مثل هذا التحسين يؤدي في النهاية إلى ارتفاع مماثل في الخصوبة، أي في قدرة هذه الحيوانات المنوية على تخصيب البويضات، وهو السؤال الذي سيسعى العلماء للإجابة عليه من خلال المزيد من الدراسات.
وليس بالخفي على أحد تبعات تغير نمط غذاء أفراد الجنس البشري خلال العقود القليلة الماضية، والمتمثل في التحول من الغذاء الطازج المكون في معظمه من الخضراوات والفواكه، وبكميات معتدلة، إلى الغذاء مرتفع المحتوى من السعرات الحرارية، ومنخفض المحتوى من العناصر الغذائية الضرورية والمهمة، والذي غالبا ما يكون مصنعاً بدرجة عالية، ومضافاً إليه مواد حافظة، ومنكهة، وملونة، وخلافه.
وبناء على هذه الخلفية، تضمن عدد شهر مايو من الدورية العلمية المتخصصة في العقم والإنجاب (Human Reproduction)، دراسة أظهرت أن النساء اللواتي يتناولن الأطعمة السريعة بشكل مفرط، ولا يحتوي غذاؤهن على قدر كاف من الفواكه، تزداد لديهن صعوبة الحمل.
فمن خلال متابعة 5,598، اكتشف العلماء أن من يتناولن الوجبات السريعة أربع مرات أو أكثر في الأسبوع، يحتجن إلى فترة أطول بشهر كي يحملن، مقارنة بأقرانهن اللواتي نادراً ما يتناولن الأطعمة السريعة، كما أن من يتناولن الأطعمة السريعة، انخفضت لديهن فرصة الحمل.
وترتبط أيضاً معدلات الخصوبة ارتباطاً وثيقاً بالتوقعات السكانية المستقبلية، حيث إنه من المعروف والثابت في مجال الدراسات السُكانية، أنه كي يظل عدد السكان في مجتمع ما ثابتاً دون تغيير خلال السنوات والعقود القادمة، فلا بد أن يتساوى معدل الإنجاب على الأقل مع مستوى معدل الإحلال، وهو الحد الأدنى من عدد الأطفال الذي ينبغي أن تنجبه كل امرأة خلال حياتها للمحافظة على عدد السكان ثابتاً. وهذا المعدل يتراوح حالياً ما بين 2,1 طفل لكل امرأة في الدول الصناعية، وما بين 2,5 إلى 3,3 طفل لكل امرأة في الدول النامية والفقيرة، بسبب ارتفاع معدل الوفيات في تلك الدول.
وما يثير القلق لدى البعض، حقيقة أن نصف المجتمعات البشرية -تقريباً- يعاني حالياً معدل خصوبة أقل من الحد الأدنى لمعدل الإحلال. ففي الدول الأوروبية على وجه الخصوص، وصلت معدلات الخصوبة إلى مستويات منخفضة جداً، إلى درجة أن مجتمعات هذه الدول ستشهد انكماشاً سكانياً خلال عقود قليلة، وربما انقراضها التام حتماً، خصوصا في ظل حقيقة أن أيا من الدول التي شهدت تراجعاً في معدل الخصوبة إلى مستويات أقل من معدل الإحلال، لم تنجح أبداً في عكس هذا الاتجاه، وفي رفع معدل الخصوبة إلى أعلى من معدل الإحلال، أو حتى بقدر مساو له.