في ظل السخونة الفائقة التي تشهدها جبهات القتال في ساحة الحرب في اليمن، هل المقولة المشهورة «اشتدي أزمة تنفرجي»، وأن السباق للسلام من موقع القوة يدفع بالمحاربين إلى مضاعفة القوة النارية وتغيير قواعد الاشتباك؟ وفطنة القارئ ومتابعته عن كثب لما يدور في محيطه العربي وبوجه خاص الحرب على إيران في الجزء الجنوبي للجزيرة العربية عند عدن وصنعاء بدت وكأنها تأذن بتطور جديد، خاصة بعد اعتداء «الحوثيين» على ناقلة نفط سعودية كانت متجهة لاجتياز ممري باب المندب ثم قناة السويس. ودعونا نتذكر بعض التطورات المثيرة التي تشي بنهاية قريبة للحرب الأهلية في اليمن.
وبشيء من التحليل سنجد أن الحقيقة الأولى هي أن المتسبب في هذه الحرب وهي إيران، ارتكبت في حساباتها المبكرة خطأين فادحين حين اعتقد صناع الاستراتيجية الإيرانيين بأن تجربة «حزب الله» يمكن استنساخها في اليمن جهلاً بما تحويه مكوناتها من عمق في الانتماء القومي والانتماء الوطني والالتزام الإسلامي، وحين ظنوا خطأ بأن جيران اليمن بمثل جيران لبنان ولَم يفطّنوا للنية الإيرانية المبيتة لإقامة دولة عنصرية «حوثية» تأتمر بأمر إيران، وتهيئ نفسها لحرب فارسية جديدة تجتاح فيها الخليج تحت أية ذريعة كانت معتمدة على التحالف السري الذي كان قائماً بينها وبين أميركا أوباما.
وهذا يقودنا إلى الخطأ الثاني الذي أثبت فشله الذريع كما سنرد إلى تفصيله لاحقاً. ما كان للخيال الإيراني الساذج، أن يتصور أن ثمة قوة عربية جديدة تتصاعد على شواطئ الخليج، وأنها نموذج جديد من الردع المعاصر تعتمد على العدة والإعداد وليس على الرقمية التي ما قتلت ذبابة كما يقول نزار، وأن ملحمة الحروب العربية ضد فارس سوف تعي الآن وعلى الساحة اليمنية بمثلما حدثت قبل أربعة قرون ونيف حين أسقط العرب إمبراطوريتهم بنصف عدد الجيوش الفارسية ونصف العتاد. وكان التحالف الإماراتي- السعودي هو الحل الذي أفقد الإيرانيين صوابهم وعجل بهزيمة مشروعهم العقيم.
الثاني أن دولة (الملالي) وضعت في حساباتها أن أوباما سوف يقدم الدعم الاستراتيجي لإيران كما فعل في مصر لـ«الإخوان»، وطالما أن المصالح الأميركية تلتقي مع المصالح الإيرانية في صورة شبيهة بما حدث في العراق، فإن الاستيلاء على الخليج وإقامة أنظمة خليجية كسيحة بمثل قطر ستجد ترحيباً كبيراً من أوباما. وأجزم هنا أن فريق أوباما كان على علم بتفاصيل التخطيط الإيراني وداعماً له.
ومرة أخرى نسي الملالي أن الشعوب الحية قادرة على تجديد نفسها، وتعديل سياستها وفق اتجاهات الرأي العام، ولَم يكن الشعب الأميركي ليرضى بالتخلي عن حلفائه التاريخيين وترك الساحة لنظام يدعي الديمقراطية، وهو أبعد ما يكون عنها.
خسرت هيلاري مرشحة أوباما الانتخابات الرئاسية، وجاء ترامب وتحولت السياسة الأميركية 180 درجة وأفضت إلى إلغاء كل اتفاقيات أوباما الاستسلامية، التي ستذهب إلى مزبلة التاريخ. وها نحن الآن نرى النظام الإيراني يحتضر، والقبضة الأميركية تشتد على إيران وحتى تركيا، ولا عزاء لنظام الحمدين.
والسؤال الآن: أين اليمن من كل هذا؟ الرد أن كل الدلائل، تؤكد أن «الحوثيين» وهم مخالب إيرانية قذرة تحاول بريموت إيراني إحداث الخدوش والجروح في الجسد اليمني، ومن ثم العربي بأكمله. ومع يقيننا بأن النصر على إيران في اليمن واقع يحتمه التاريخ والانتماء العربي المتجذر بين اليمنيين والتفوق الاقتصادي والعسكري لدول التحالف، وأخيراً الموقف الأميركي الحاسم لتقليم أظافر إيران في المنطقة دون الحاجة للحرب ولو لطلقة رصاص، والنصر يقترب و«الحوثيون» إلى زوال.
بقى أن نضيف بأن سلامة الجبهة الداخلية أخطر ما يواجه المشتركين في الحرب، وتزداد الأهمية أكثر في اللحظات الأخيرة، وفي الفترات التي تسبق وقف إطلاق النار. فقد يكون النصر يقترب من طرف، لكن هناك من يتحرك لتشويه الحقائق، وهو ما تعمل إيران و«الحوثيون» على تحقيقه، ومن موقع الضعف والهزيمة التي تقترب مع مرور كل يوم ميلادي، وهو ما تخطط له إيران وعملاؤها «الحوثيون» في الحملات الدعائية لتشويه النوايا الحقيقية لدول التحالف. واختلاق المشاهد الإنسانية لتحريك الرأي العام في الاتجاه الخطأ.
وفي يقيني أن إحباط هذه المؤامرة بأيدينا، ولا نحتاج لأكثر من فتح الأبواب والنوافذ للمزيد من الحقائق والمعلومات، ذلك أن إغلاق نافذة واحدة من جانبنا سوف يفتح نافذة لأعدائنا. والإعلام هو العامل الحاسم في هذه المعادلة. وقد سعدنا بانتقال الكثير من أطقم قنوات التلفزيون لساحة المعارك. ولا بد من تعزيز هذا النجاح بمنح وسائل إعلام محايدة الفرصة للتواجد بالقرب من خطوط المواجهة، شريطة أن تلتزم أجندتها بالموضوعية والمصداقية والدقة بطبيعة الحال، كي يتسنى كشف ألاعيب المتاجرين بالحقائق والمعلومات، وهذا يضمن تحقيق الكثير من الإيجابيات، ويُسهّل إقناع الرأي العام بموقفنا، ويكون بمقدورنا أن نوفر الظروف المواتية لهذا المشروع، وهو في نظري موقف تاريخي يبدو أكثر إلحاحاً هذه الأيام.