منذ عدة أشهر تدور حرب خفية وسرية بين إسرائيل وسوريا وإيران و«حزب الله» في سوريا؛ حيث قامت القوات الجوية الإسرائيلية بمهاجمة عدة أهداف، وخاصة مخازن الأسلحة وشحنات الأسلحة القادمة من إيران إلى «حزب الله» والقوات المسلحة السورية. وهذا الأسبوع، أُعلن عن مقتل خبير سوري بارز في تطوير الصواريخ في انفجار سيارة مفخخة بالقرب من مدينة مصياف في سوريا.
ولم تتبن أي جهة هذه العملية، ولكن أصابع الاتهام تشير إلى إسرائيل.
والواقع أنه في مثل هذه الحالات لا يكون من مصلحة ضحايا الهجمات الإسرائيلية الاحتجاج كثيراً وبشكل علني، لأنهم إن فعلوا، سيكون متوقعاً منهم القيام برد انتقامي على إسرائيل، وهو ما سيؤدي من دون شك إلى مواجهة عسكرية وإمكانية اندلاع حرب أوسع. والحال أنه في الوقت الراهن، وبالنظر إلى أكثر من سبع سنوات من الحرب الأهلية، فإن نظام الأسد لا يريد، من دون شك، الانخراط في حرب مع إسرائيل. والأمر نفسه ينطبق على «حزب الله» وإيران. ولئن كان هؤلاء يدركون أن حرباً مع إسرائيل قد تكون أمراً لا مفر منه في النهاية، فإنهم لا يريدون خوض قتال معها حتى يصبحوا مستعدين له بشكل أفضل ويتعافوا بشكل كامل من الحرب الأهلية في سوريا التي خرجوا منها منتصرين.
ومن جانبها، تبدو إسرائيل مصممة على منع وجود عسكري إيراني دائم في سوريا بالقرب من حدودها، وتعي جيداً أن «حزب الله» خرج من القتال الحالي مكتسباً خبرة كبيرة في أساليب الحرب الحديثة. بيد أن إسرائيل أيضاً ترغب في إبعاد أي مواجهة عسكرية كبيرة في شمالها، وذلك بالنظر إلى الوضع المتقلب في قطاع غزة وإمكانية تفجر انتفاضات داخل السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية. كما أنها تدرك أن الإمدادات الكبيرة من الصواريخ التي أُرسلت إلى «حزب الله» وسوريا تستطيع إلحاق أضرار كبيرة بالبنية التحتية الإسرائيلية وبسكانها المدنيين. وهذا يمكن أن يتسبب في خسائر بالغة للاقتصاد، وخاصة لقطاع التكنولوجيا العالية ذي القيمة النوعية الكبيرة الذي يعتمد كثيراً على الصادرات حتى يظل تنافسياً في الأسواق العالمية. ولعل الأهم من ذلك هو أن إسرائيل تدرك أن حرباً شاملة ستعني تدخلاً بالقوات البرية وتوسعاً محتملاً للقتال ليشمل إيران نفسها. وهذا بدوره يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات في طرق إمدادات النفط من منطقة الخليج إلى بقية العالم.
ولكن، إذا كان اندلاع حرب كبيرة ليس في مصلحة أي بلد في الوقت الراهن، فماذا عن التقدم الموعود في النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني، الذي قيل رسمياً إنه يمثل أحد الأهداف السياسية الرئيسية لإدارة ترامب وخاصة صهر ترامب جارد كوشنر؟
وفق بعض المطلعين على أسلوب تفكير البيت الأبيض الحالي، فإن أساس أي اتفاق يعتمد على التهديد المشترك الذي تطرحه إيران بالنسبة لإسرائيل والدول السنية الكبيرة، وعلى العلاقات الوثيقة جداً التي تربط ترامب بحكومة نتنياهو. ولا شك أن نقل سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب إلى القدس مثّل مؤشراً واضحاً على استعداد ترامب المجازفة والخروج عن المعهود من أجل دعم إسرائيل من دون أن يطلب منها أي شيء كمقابل، على الأقل حتى الآن. والأمل الآن هو أنه إذا استطاع الزعماء السنة الكبار المشاركة في محادثات سلام جديدة، فإن الحكومة الإسرائيلية لن تستطيع رفض التعاون في مثل هذا المسعى، علماً بأنه سيتعين دفع ثمن ربما يتعلق ببعض التنازلات الترابية للفلسطينيين.
والواقع أنه من الناحية النظرية، يمكن القول إن مثل هذا المخطط قابل للنجاح. غير أنه ليس ثمة أي دليل على أن دول الخليج، ناهيك عن القيادة الفلسطينية المنقسمة، ستعبّر عن تأييد واضح لمثل هذه العملية. كما أنه ليس ثمة أي دليل على أن الأحزاب السياسية المتشددة، التي تبقي نتنياهو في السلطة، مستعدة لتقديم تنازلات في إطار التسوية السلمية. على أن حالة عدم اليقين الأكبر تظل هي تلك المتعلقة بروسيا، التي تمتلك قيادتها نفوذاً كبيراً في دمشق. ذلك أن روسيا تربطها علاقات ودية مع معظم القوى الإقليمية بما في ذلك إسرائيل، غير أنه لا يوجد أي مؤشر على أنها ستقوم بأي تحرك دراماتيكي للدفع بعملية السلام إلى الأمام، على الأقل ليس قبل حل أزمتها مع الولايات المتحدة وحلف «الناتو» بخصوص أوكرانيا.