إلى أين يقود الغرور إيران؟ الجواب الحرب والمواجهة العسكرية، ومن يقول بغير ذلك، كمن ينكر الشمس في ضحاها. لكن لماذا نقطع بهذا الخيار؟ ببساطة لأن الاتفاق النووي معها في طريقه للانهيار الكامل مع حلول نوفمبر المقبل، وبخاصة بعد المرحلة الثانية من العقوبات، وفي المقدمة منها وقف تصديرها للنفط، تلك التي ستضحى بمثابة الضربة الكبرى للإيرانيين واقتصادهم المختل.
سوف ينهار الاتفاق قطعاً إذ لن يقدر للأوروبيين الاختلاف مع الشريك الأميركي طويلًا، ورغم تعهد الاتحاد الأوروبي بحماية شركاته الا أن معظم شركات الطاقة الاوروبية الكبرى لها مصالح جادة في الولايات المتحدة، ومن المستبعد أن تخاطر بها، وسيكون من الصعب عليهم الوفاء بالتعويضات المعلنة لشركاتهم، والاتفاق مع ترامب حول استثنائها من العقوبات.
ولعل لحظة المصارحة والمكاشفة بالنسبة للأوروبيين جهة إيران قد وضحت مؤخراً، عندما اكتشف الأوروبيون الأهداف الحقيقية للنظام الإيراني، والتي لم تكن خافية عن أحد في واقع الأمر، أي محاولة بناء مشروع نووي لانتاج أسلحة دمار شامل، عطفاً على تفعيل واحدة من أكبر وأخطر أنظمة الصواريخ المهددة لأمن أوروبا.
تلفت مجلة «ذا ناشيونال» في أحد أعدادها الأخيرة إلى شبكة التجسس الواسعة التي تديرها إيران في الأراضي الأوروبية، وكيف أن الدبلوماسي الإيراني «أسد الله أسدي»، الموقوف الآن في ألمانيا منذ شهر يونيو الماضي، لتخطيطه لتفجير تجمع للمعارضة الإيرانية في باريس، كيف كان يدير حلقة تجسس أوروبية بهدف الحصول على تكنولوجيا تعزيز ترسانة النظام الصاروخية، ناهيك عن استهداف الخلية مجموعات معارضة على الأراضي الأوروبية وشن عمليات اغتيال.
نهار الاثنين الفائت كان المرشد الأعلى لايران «علي خامنئي» ينهي المشهد المستقبلي بالقطع..«لا حوار ولا حرب»... غير ان الجميع يدرك تمام الادراك أن قضية النهي عن الحوار يمكن بالفعل أن تدخل ضمن اختصاصاته، وإن كان الناظر للمشهد الإيراني يكاد يجزم بأن هناك خلافات بنيوية في الداخل الهرمي الهيراركي الإيراني ما بين تيارات مختلفة في السلطة، لكن الأمر الذي يعد من قبيل التقية الإيرانية المشهورة هو ذاك المتصل بالحرب، سيما وأن كل الشواهد تقول بأن إيران تجهز نفسها لهذا الخيار، وانها ترتب كافة السيناريوهات التي تعزز من احتمالات المواجهة بأكثر من تهيئة المسرح الإيراني والخليجي للسلام، أو للبحث عن مخرج آمن للإشكالية النووية.
علامات الاستعداد الإيراني للحرب تتبدى من عدة ظواهر ومظاهر، وفي المقدمة منها مآلات تصدير النفط الايراني والتي تضيق يوما بعد يوم، وهو ما تدركه طهران بخوف كبير، ولهذا رأيناها تخفض أسعار مبيعاتها من النفط والغاز لعملاء آسيويين، في محاولة لضخ أموال في الخزانة الإيرانية، ولزيادة الأرصدة الاحتياطية المطلوبة لمواجهة الشارع الإيراني الثائر في وجه الملالي، واستباقاً لتوقعات ستأتي بها الإقدار عن حدود مبيعات النفط، والتي ستتراجع بنحو 700 ألف برميل يومياً من مستوياتها الحالية التي تقارب 2.3 مليون برميل يومياً.
على الجانب العسكري يتبدى لنا أن الإيرانيين يدركون أن الحرب آتية لا ريب فيها، ولهذا يكثر الحديث مؤخراً عما يسمى الخطة (ج)، والتي سيتم تنفيذها عندما تحين القارعة، فمن الطبيعي أن يكون لإيران خطط للمواجهة وتدركها أجهزة الاستخبارات الغربية، وبدأت تلاحظ ارهاصاتها في الوقت الحاضر، وتبدأ من عند تعبئة الجماهير نفسياً وذهنياً للمواجهة المسلحة، وإعداد الدفاعات الجوية، والرهان على التكنولوجيا الصاروخية التي طورتها في المرحلة الأخيرة.
عطفاً على ذلك يرى البعض أن الأقمار الاصطناعية الإيرانية سيكون لها دور في هذا الإطار، بالإضافة إلى القوات الخاصة المدربة تدريباً جيداً لحل المهام الموضعية أثناء العمليات العسكرية.
ولعل من أهم وأخطر ما استمع إليه المرء في الفترات الماضية، النوايا الإيرانية لجيرانها في منطقة الخليج العربي، إذ يبدو أن الإيرانيين لن يوقروا ما حولهم من بلدان، وتهديداتهم صريحة غير مريحة تجاه إلحاق الضرر بتلك البلدان التي ستوفر أراضيها ومجالها الجوي لمهاجمة إيران أو ستسهم في ذلك.
استعدادات إيران للحرب تبينها بجلاء التجربة الصاروخية الأحدث في تجارب برنامج الصواريخ الإيرانية، والتي جرت على نموذج لصاروخ جديد يسمى «فاتح مبين» الباليستي قصير المدى، ويوم تجربته قال وزير الدفاع الإيراني العميد أمير حاتمي: «كما وعدنا شعبنا العزيز، لن ندخر جهدا لزيادة قدرات البلاد الصاروخية، وسنزيد بالتأكيد قوتنا الصاروخية في كل يوم». هل من اشارات اخرى؟
في خطاب الاثنين الماضي كان خامنئي يحاول إعادة الُلحمة مع الشعب الإيراني، وكأنه يطلب منهم العفو والسماح في محاولة لتفريغ شحنات الغضب المزلزلة لديهم، وذلك باعترافه بأن خبراء الاقتصاد والعديد من المسؤولين يعتقدون أن سبب الأزمة الاقتصادية التي تضرب إيران بالاصل داخلي، وإنها كانت أشد إيلاماً من العقوبات، الأمر الذي يعد خدعة لن تنطلي على الإيرانيين.
الخلاصة... إيران تتوضأ بالدم وعلى الجميع الاستعداد لمواجهة صرخة الطير الذبيح.