تحتفل الهند وباكستان، الجارتان النوويتان، الأسبوع الجاري بعيد استقلالهما الـ72 من ربقة الاستعمار البريطاني. ولسوء الحظ، اتجهت الدولتان في مسارين مختلفين بعد نيل الاستقلال. وأضحت الهند اليوم واحدة من أسرع اقتصادات العالم نمواً، وتعتبر قوة عسكرية قوية في جنوب آسيا، بينما تكافح باكستان في مواجهة ركود اقتصادي وأعباء كثيرة، وتواجه تحديات كبيرة يتصدرها التطرف الديني والإرهاب.
ويأتي عيد استقلال الهند الـ72 في وقت يعترف فيه العالم بأهميتها المتزايدة. ويرتكز ذلك الاعتراف على أسس الديمقراطية الراسخة التي أرساها القادة السياسيون للدولة بعيد الاستقلال، إلى جانب إعطاء الأولوية للبنية التحتية الصناعية في ظل خطط خمسية متعاقبة وتركيز على التعليم، وهو ما أسفر في الوقت الراهن عن نمو اقتصادي بوتيرة سريعة. وقد أفاد صندوق النقد الدولي مؤخراً بأن الهند ستظل واحدة من أسرع الاقتصادات نمواً في العالم. ومن المتوقع أن يصل نمو الاقتصاد الهندي، الذي يقدر بنحو 2.6 تريليون دولار، إلى 7.3 في المئة خلال العام المالي الجاري، و7.5 في المئة العام المقبل، بينما تمثل الهند 15 في المئة من معدل النمو العالمي بأسره.
ونجاح الهند متجذّر في قيمها الديمقراطية، فهي دولة علمانية وتعددية، ترسخت في نسيجها التعددية الثقافية واللغوية والدينية. وهي كذلك أكبر دولة ديمقراطية في العالم، ويحمي دستورها القيم الديمقراطية. وبرغم أنها تعاني كثيراً من المشكلات، منها الفقر، إلا أن أسسها القوية مكنتها من تحقيق تقدم على مدار العقود السبعة الماضية.
وقد كان للنمو الاقتصادي في الهند أثر انتشال مئات الآلاف من براثن الفقر، فطبقتها المتوسطة تقدر بنحو 267 مليون نسمة، وهو أكثر من نصف عدد سكان دول الاتحاد الأوروبي بأسرها. وفي حين لا يزال هنا طريق طويلة أمام الدولة للقضاء على الفقر، إلا أنها تمضي في الاتجاه الصحيح. وبرغم ذلك، هناك أيضاً مجالات تبعث على القلق بالنسبة للدولة العملاقة في جنوب آسيا، ولابد أن تتوخى الحذر وتتأهب لضمان عدم ضعف نسيجها العلماني بعد أن شوهد القوميون في الجناح اليميني الهندوسي يسعون لتطبيق القانون بأيديهم في عدد من المناسبات.
وبالنسبة لباكستان، فإنها تكافح منذ حصولها على الاستقلال كي تخلص نفسها من الفساد والمحسوبية والتطرف الديني، في حين أصبح اقتصادها على شفا الانهيار. ورغم أنه بعيد استقلالها، كانت إسلام آباد قد بدأت تتقدم جيداً وكان أداء اقتصادها أفضل بكثير من نظيره الهندي، إلا أن تجربتها تضررت بسبب غياب برامج التعليم، وهيمنة الأثرياء والإقطاعيين على مقدرات جموع الشعب الفقير. وبمرور الوقت، ظهرت بعض المشكلات في باكستان، تاركة في هذه المرة دولة مهمة غنية بالموارد على شفا الانهيار الاقتصادي.
ومن الضروري أن يتم التعامل مع قضايا الفقر. ولم يتم التعامل مع صعود التطرف الديني والإرهاب باسم الدين في مراحل مبكرة، وهو ما أدى إلى ضعف الشرطة والأجهزة الأمنية وانتشار الفوضى والخروج على القانون في المجتمع. وأصبح الأثرياء أكثر ثراء، بينما ازداد الفقراء فقراً بسبب تردي نظام التعليم بين الأجيال الشابة. وأصبحت البنية التحتية للكهرباء والمياه والطرق بحاجة إلى تجديد. وانخفضت احتياطات النقد الأجنبي إلى النصف خلال الأشهر العشرين الماضية. وفي الحقيقة، بلغت أدنى مستوياتها، وهو ما أثر على عملة الدولة. وبحسب التقارير، سعت الصين لإنقاذ اقتصاد باكستان بإقراضها مليار دولار للمساعدة في إدارة احتياطاتها المتراجعة من العملات الأجنبية.
ومن المزمع أن يؤدي عمران خان اليمين الدستورية رئيساً للوزراء في باكستان اليوم السبت. وجاء خان إلى السلطة على وعد باستئصال الفساد والمحسوبية، واستعادة مجد الجمهورية الباكستانية. ولدى الشباب الباكستاني آمال كبيرة يعلقها عليه ويأمل في أن يحقق نجاحاً في جهوده الرامية إلى بناء «باكستان جديدة» خالية من العلل التي منيت بها الدولة خلال العقود الخمسة الماضية. وعلى عمران خان أن يمنح الأولوية إلى إصلاح الاقتصاد الباكستاني أكثر من أي شيء آخر.
ولا ريب في أن هناك اختلافات كبيرة بين كيفية تقدم الهند وباكستان، اللتين حصلتا على استقلالهما بالتزامن قبل أكثر من سبعة عقود. لكننا سنرى إذا ما كان بمقدور خان وحكومته الجديدة إنجاز الوعود التي قطعها ببناء باكستان جديدة ومحاولة إعادة بلاده إلى طريق التقدم والازدهار بعيداً عن الضغوط الاقتصادية والتطرف الديني.