قد يكون الأمر صادماً لو علم أحدنا أن 40? من تصرفاته في الحياة هي عبارة عن عادات، لكن وقع المعلومة قد يخف لو درى أننا نحن من أسس تلك العادات وجعلها تترسّخ في أذهاننا، وبما أن العادة هي سلوك مكرر، فهذا يعني أن جل تصرفاتنا تلقائية، مما يضمن مساحة كبيرة لوقوع الأفعال غير الإيجابية. لكن قبل ذلك، ما هي العادة؟ وكيف تتأسس؟ والسؤال الأهم: إذا كان للعادة قوة فأين مكمنها؟ إن العادات في الواقع هي سلوك كما أسلفنا يمارس باستمرار وبصورة لا شعورية، فيلاحظ الذهن هذا التكرار فيقوم بحفظ (خطوات البرنامج السلوكي) ويحوله إلى نظام عمل تلقائي، ثم يؤرشفه ليعفي نفسه من جهد التفكير به إذا ما جرى تكراره مستقبلاً، والأمثلة على ذلك عديدة: قيادتنا السيارة، أو استخدامنا لمنبّه السيارة وسط الزحام، أو عندما نسقط فجأة في البحر فنسبح تلقائياً.
ذهن الإنسان لا يفكر في الأفعال التي تحولت إلى عادات، هذه حقيقة يصدّرها لنا كتاب (قوة العادات - Power of Habits) لمؤلفه الصحافي الأميركي (تشارلز دويج). والكتاب أخذ 60 أسبوعاً متواصلاً على قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في الصحف العالمية (نيويورك تايمز، واشنطن بوست، ويو إس إيه توداي وفايننشال تايمز). وإن التفريق بين السيئ والحسن من العادات تكون مهمة العقل الواعي، كما أن للعادة خطورتها، وتتمثل في ممارستها وبشكل مرتب، وللعادة قوتها الكامنة في أنها لا تستهلك أي طاقة ذهنية، والسبب الصورة التلقائية التي نمارسها بها.
ويطرح الكتاب معلومة أن مهمة تغيير العادات تقع أولاً على الفهم، وثانياً على الإرادة مصحوبة بالعزيمة والإيمان، ومعهد التكنولوجيا والبحت بجامعة (كامبرج - Cambridge ) الأميركية، الذي تخرج فيها المؤلف (تشارلز) أجرت العديد من التجارب على الفئران من أجل تأكيد هذه الحقائق، فهي على سبيل المثال خلُصت إلى أن العادة تمر بمراحل ثلاث اُطلق عليها (دائرة العادة): الإشارة، والروتين، والمكافأة، ولاحظ العلماء أن العادة حينما يمارسها الشخص، فإن نشاطه الذهني يكون منخفضاً، دلالة على أنها أصبحت (تلقائية - ميكانيكية) حفرت نفسها في الجهاز العصبي للإنسان، ويضرب المؤلف مثلاً على ذلك: شخص يتناول وجبة طعام غير صحية وهو يشاهد التلفاز، فالإشارة التي تجعله يبدأ العادة، الجلوس أمام التلفاز، أما الروتين، فهو بجلب وجبة طعام غير صحية يتناولها خلال المشاهدة، والمكافأة تكون شعوره بالاستمتاع بالطعام والمشاهدة.
وفي سؤال ينتظره جميعنا يطرح الكتاب: هل نستطيع تغيير العادة؟ هنا تمتلئ حماساً وتركيزاً لتسمع: نعم، نستطيع، لكن كيف؟ وبينما يعتقد البعض أن أفضل طريقة لتغيير العادة السيئة هي الإقلاع عنها، يرفض المؤلف ويصف طريقة الإقلاع بـ(أنها الأسوأ لأنك سرعان ما ستحن لها)، ويعطي بديلاً علمياً عن ذلك بالعودة إلى دائرة العادة ومراحلها، يقول: عُد إلى دائرة العادة بمراحلها الثلاث، احتفظ بمرحلتين هما الإشارة، والمكافأة، وغيِّر المرحلة الثالثة وهي الروتين: فبدلاً من وجبة طعام غير صحية - مثلنا السابق - احضر طبقاً من الفاكهة، وهذا كل ما في الأمر، والبرهان يقول الكتاب:(إن الكثير من المدخنين لم ينجح في الإقلاع عن التدخين بمجرد (جعلكة) علبة السجائر ورميها، بينما نجح عدد أكبر من هؤلاء الذين استبدلوا سيجارة التبغ بالسيجارة الإلكترونية كخطوة أولى، فأبقوا على الإشارة، والمكافأة، وغيروا في الروتين.