مساء الأحد الماضي، أخبرتني الحكومة الأميركية باعتزامها إغلاق بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في الولايات المتحدة.
فعقدتُ اجتماعاً من رام الله مع فريق العمل في واشنطن عبر تقنية «الفيديو كونفرنس».فقد كانت التوجيهات واضحة جداً: علينا أن نغلق بشكل كلي في ظرف شهر، مع ما يقتضيه ذلك من إنهاء لاتصالاتنا مع الولايات المتحدة وإنهاء عقد الإيجار الخاص ببنايتنا.
الإدارة الأميركية قالت إنها قررت إغلاق المكتب لأننا لا ندعم السلام.
ولكن هذه مجرد طريقة أخرى – بعد استخدام حق «الفيتو» ضد مقترحات فلسطينية في الأمم المتحدة، وقطع المساعدات عن وكالة الأونروا، ونقل السفارة الأميركية إلى القدس – لتنفيذ قائمة أمنيات الحكومة الإسرائيلية بزعامة نتنياهو.
والحال أننا استفسرنا مراراً وتكراراً عما يسمى مخطط السلام الأهم (الذي ما انفك البيتُ الأبيض يلمح منذ قرابة سنة إلى أنه قد يأتي في أي يوم). وكنا دائماً مستعدين لاستئناف المفاوضات القائمة على حل الدولتين مع القدس الشرقية عاصمة لنا.
وبالتالي، فإن الولايات المتحدة، وليس فلسطين، هي التي لم تعد وسيطاً نزيهاً للسلام.
ومن إحدى النواحي، يمكن القول إن الخبر لم يكن مفاجئاً لنا؛ غير أنه مثّل مع ذلك ضربة صادمة.
فنظراً لأن الولايات المتحدة لا تعترف بفلسطين كدولة، فإننا لا نملك سفارة.
ولهذا، فإن منظمة التحرير الفلسطينية، وهي المنظمة الأم التي ساعدت على ولادة السلطة الفلسطينية قبل بضعة عقود، تدير شيئاً شبيهاً بالسفارة: بعثة تمثّل البلد وشعبه رسمياً.
ومع إغلاقها، سيتوقف دبلوماسيونا عن التواصل مع نظرائهم على كل مستويات الحكومة الأميركية.
كما سنضطر لوقف الخدمات الأساسية – مثلما فعلنا، مثلًا، حين نسّقنا زيارة نائب الرئيس مايك بانس إلى بيت لحم.
وعلاوة على ذلك، فإنه لم يعد لدى الفلسطينيين وحكومتهم صوتٌ يستطيع التحدث بشكل رسمي باسمهم في مراكز البحوث، والكنائس، وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني.
كما سنضطر لوقف الزيارات على غرار تلك التي قمتُ بها إلى جامعة برينستون قبل بعضة أشهر، حين تحدثت إلى الطلبة عن العلاقات الأميركية- الفلسطينية، وعن العمل في إطار التعاون والتنسيق الدوليين، وعن الطريق إلى السلام.
وسنضطر أيضاً لإنهاء البرامج التي فتحت أبوابنا للجمهور وأتاحت للزوار فرصة الاطلاع على ثقافتنا – مثل أمسية فيلم للتعرف على الطعام وفن التطريز الفلسطينيين، أو أمسية شعرية أقيمت تكريماً للشاعر محمود درويش.
وفضلا ً عن ذلك، فإن إغلاق البعثة الفلسطينية في واشنطن كارثي بالنسبة لمئات الآلاف من الفلسطينيين الذين يعيشون في أميركا.
فعلى غرار أي من الأشخاص غير الأميركيين المقيمين في الولايات المتحدة، فإنهم يشعرون بأنهم أكثر أمناً حين يعلمون أنه رغم بعدهم عن الوطن، إلا أن لديهم مكاناً للمساعدة في أوقات الأزمات – من المشاكل الصغيرة نسبياً مثل فقدان جواز السفر أو البقاء في أحد المطارات، إلى المآسي الشخصية الكبيرة مثل وفاة أحد أفراد العائلة.
لقد كنا نساعد الناس بخصوص أمور مختلفة، من المساعدة على إنجاز المعاملات الإدارية مثل الطلاق والزواج والشهادات المدرسية من أجل الاستخدام في فلسطين، إلى مساعدتهم بخصوص ترتيبات الجنازة ومساعدة المواطنين الأميركيين الذين لديهم ممتلكات في فلسطين على اجتياز مشاكل الإرث.
وخلال الأيام القليلة الماضية، لم تكف هواتفنا عن الرنين بسبب المكالمات الكثيرة التي تلقيناها من أبناء الجالية الفلسطينية في الولايات المتحدة الذين كانوا خائفين ومرتبكين ويسألون عما سيحدث.
فالناس يسألون ما الذي سيحدث لمعاملاتهم، أو كيف سيكملون وثائقهم، أو ما إن كانوا يستطيعون تسريع الإجراءات قبل دخول القرار حيز التنفيذ.
ولكن الإدارة الأميركية لا توفر لهم طرقاً بديلة.
إذ لا ملجأ آخر لديهم ليلجأوا إليه.
وقد كانت بعثتنا عبارة عن مكتب متآلف ومتماسك يتكون من 20 شخصاً؛ حيث كنا نعتبر بعضنا بعضاً أفراد عائلة واحدة.
إن خلافنا ليس مع شعب الولايات المتحدة وإنما مع هذه الإدارة الرئاسية.
فمنذ 1987، وعلى الرغم من اتفاقات أوسلو، اعتبرت الولايات المتحدة منظمة التحرير الفلسطينية منظمةً إرهابية.
ولكن بعثتنا تأمل العودة كشريك وعلى قدم المساواة، بعد نسج علاقات لا تقوم على الابتزاز أو الإكراه، وإنما على التعاون الحقيقي، بينما نعمل في اتجاه مستقبل أحسن من أجل الناس في الشرق الأوسط.
 
حسام زملط
الرئيس السابق للبعثة العامة لمنظمة التحرير الفلسطينية إلى الولايات المتحدة
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»