بينما تقترب القوات الحكومية السورية من محافظة إدلب في شمال البلاد، تلوح في الأفق كارثة بالنسبة لنحو 3 ملايين سوري يعيشون هناك. فقد بدا الرئيس السوري بشار الأسد وحلفاؤه الروس، في الأيام الأخيرة، مصممين على مهاجمة آخر معقل متبقٍ لمقاومة النظام. وإذا كانت لنا في الماضي أي عبر، فإن الوضع سيكون فظيعاً. فخلال الأيام القليلة الماضية فقط، قام النظام بشن عشرات الضربات الجوية التي قتلت مدنيين. وفي الأثناء، يقضي اتفاق الاثنين بين روسيا وتركيا بإنشاء منطقة آمنة في إدلب، لكن فقط في حال صمود الاتفاق، وهو احتمال ضعيف أصلاً، وحتى في تلك الحالة فإنها ستقتصر على فضاء جغرافي محدود، وستحتضن عدداً متواضعاً فقط من سكان المحافظة.
ولذلك فعلى الولايات المتحدة اتخاذ موقف؛ فهي لا تستطيع تغيير مجرى الحرب، لكنها تستطيع القيام بعمل ما من أجل تجنيب سكان إدلب الأسوأ، حتى وإن اقتضى ذلك بعض التنازلات القاسية. ولا شك أن الردع القوي من قبل الولايات المتحدة وشركائها أساسي؛ لكنه لكي يكون فعالاً، ينبغي أن يكون مرتبطاً باستراتيجية دبلوماسية ستتطلب مقايضات صعبة.
ولا شك أن على واشنطن البدء بالرد حال أي استخدام عشوائي للعنف من قبل الأسد ضد شعبه، بالطريقة التي تختارها هي. ويمكنها القيام بذلك دون تصعيد دراماتيكي. غير أن التهديد من قبل الولايات المتحدة ينبغي أن يكون ضمن إطار سياسي وعسكري أوسع للإسهام في التقليص التدريجي للعنف وإنهاء الحرب. وتقوم هذه الاستراتيجية على منح الأولوية لإزالة العناصر السابقة لـ«القاعدة» و«داعش» التي اخترقت المعارضة المعتدلة والسكان المدنيين في إدلب.
وفي غضون ذلك، ينبغي أن نعرض على الأسد صفقة واقعية. أحد الأجزاء التي لن يحبها في هذه الصفقة: أن تظل محافظة إدلب، إلى جانب جيوب صغيرة في الجنوب والمناطق الكبيرة للأقلية الكردية إلى الشمال الشرقي من البلاد، مستقلة عن دمشق في المستقبل المنظور؛ وأن يقوم المجتمع الدولي بمساعدة هذه المناطق على إعادة الإعمار وإقامة أشكال للحكم الذاتي. على أن الهدف النهائي لهذه الاستراتيجية ليس هو التقسيم، وإنما إرساء الأسس لحكم غير مركزي في سوريا موحدة في المستقبل.
أما الجزء الآخر من الصفقة الذي سيروق للأسد، وحليفيه الروسي والإيراني، فهو أن تقبل الولايات المتحدة وحلفاؤها بحكمه في المناطق التي باتت تسيطر عليها قواته، خلال المستقبل المنظور وإنهاء محادثات جنيف التي ترعاها الأمم المتحدة بهدف استبداله.
والأكيد أن على هذا الرئيس الذي ارتكب جرائم قتل جماعية أن يرحل حتى يكون للبلد أي أمل في الاستقرار مستقبلاً. غير أن أي انتقال في سوريا ينبغي أن يكون انتقالاً مدروساً يسمح للأسد وأنصاره بقول كلمتهم في اختيار من سيخلفه. وإلا فإنه ومؤيديه سيخشون رد حكومة مقبلة عازمة على الانتقام. كما ينبغي أن نعلّق مساعدات إعادة الإعمار للمناطق السورية التي يسيطر عليها الأسد إلى أن يرحل. وإذا كانت هذه المقاربة قد تشكّل إهانة لأعرافنا وتقاليدنا الديمقراطية، فإنها الخيار الواقعي الوحيد بالنظر إلى الواقع السوري اليوم.
هذه المقاربة الجديدة تمنح الأسد اختياراً؛ فهو يستطيع تدمير معظم إدلب، والمجازفة بمواجهة رد انتقامي من واشنطن والأعضاء الكبار في الاتحاد الأوروبي، يمكن أن تعرِّض للخطر قوة جيشه في النهاية، وتنزع الشرعية عن قبضته على السلطة، وتضمن حصول سوريا على مساعدة خارجية قليلة في إعادة إعمار نفسها. أو يستطيع السماح لتركيا، المدعومة من قبل الولايات المتحدة وآخرين، بتقلد الزعامة في إدلب خلال المستقبل المنظور، مع البقاء في السلطة حالياً ثم نقلها في نهاية المطاف إلى خلَف يتم اختياره.
ولا شك أن التفكير في إبرام مثل هذه الصفقة الواقعية مع الأسد، سيمثل أمراً بغيضاً بالنسبة الولايات المتحدة؛ لكن الطريق الذي نحن عليه اليوم يبدو أسوأ منه بكثير.

مايكل أوهانلون
زميل مؤسسة بروكينجز في واشنطن
وستيفن هيدمان
أستاذ بكلية سميث كوليدج وزميل مؤسسة بروكينجز في واشنطن
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»