بعد سنوات عريقة من المحبة والعطاء والخلاف والاختلاف، وجدت صديقتي تطرب لسماع أغانٍ فيها «ربشة». وقد خزنتها على وحدة تخزين صغيرة وضعتها في حقيبة يدها في خانة أحمر الشفاه، أما زوجها فقد صبغ لحيته البيضاء ليبدو أصغر من أبنائه، فكان الأمر كذلك. بعد زيارة بعيدة سألتها عن سبب هذا التغيير، فقالت: «أبغي أفتر لعمري شوية، العيال والحمدلله كبروا وتعلموا ويشتغلون، وقررت أن يكون عام زايد عام الجمال والسعادة». فنظرت إلى زوجها المتشبب، وقلت له: «بصراحة ما عرفتك؛ بس ما شاء الله شكلك وسيم بالتعديلات الجديدة»، قال بكل ثقة: «تبين الصدق والا ولد عمه؟ حتى السيارات لها كل سنة موديل، ونحنا تأمين على حالنا مقشعرين، مكشخنين وحالتنا حالة! فقررنا أنا والحلوة هاي أن نغيّر أسلوب حياتنا بحيث إنه إن يانا الضيق نراوغه يالين يشرد»... شردت بفكري وهو يتحدث وأنا أحملق في شاشة تلفازهم العملاق، وكان به أحد برامج «عالم الحيوان» وغابات الصنوبر منقطعة النظير، فقلت لهما: «تصوروا إن كل هذا الجمال وهذه الأشجار العملاقة وقفت بقدرة الله -جل في علاه- ومخلوق يدعى السنجاب؛ فهو يقطع ثمار الصنوبر ويخزنه في أماكن متفرقة من الغابة، ولكنه لا يتذكرها فتشب الأشجار وتتكثف الغابات كلما زاد نسيان السناجب لأماكن التخزين تلك». و«تصوروا جمال أفعال الشيخ زايد -طيّب الله ثراه- الذي قهر التحديات وحول الصحراء إلى حدائقٍ غناء امتثالاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال: (ما من مسلم يغرس غرساً، أو يزرع زرعاً، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة). صدق رسول الله وغفر الله للشيخ زايد الذي أكرمنا وأسعدنا وألهمكم الجمال وفعل الخير واحترام الذات والمواطنة الصالحة». فقالا بصوتٍ واحد: «زايد مدرسة الماضي وإيقونة الحاضر ونبراس المستقبل». للعارفين أقول: عام زايد يأتي لإعادة ترتيب الحياة وتعزيز السعادة وتطلعات المستقبل، وهو مصدر فخر وولاء وإيثار وعهد وعطاء. يقول أبو حامد الغزالي في «كيمياء السعادة»، إنه يتوجب على المرء معرفة ذاته وتهذيب نفسه حتى يستطيع عقله تمييز البراهين ومعرفة السعادة الحقيقية بمعناها المادي ومفهومها المعنوي.