الخلل ليس في الانتخاب. إنه في جوهر الأسباب التي تعلي أهمية الانتقاء والارتقاء. ونشير هنا إلى منظومة الانتخاب في المؤسسات الثقافية والهيئات الأهلية، وهو نمط متعارف عليه منذ زمن، مجالس تكاد تنصهر تحتها الكراسي وتفنى، وتستمر بحجة أنها منتخبة، وتبقى وجوه لا برامج إدارية لديها ولا أبجديات فعلية. وفي المقابل لا ننسى نجاحات أفرزتها التجربة، وارتقت أحياناً لناحية الأهداف القابلة للتنفيذ، أو بالآلية المتسعة للنجاح، وبالرغبة أحياناً أخرى نحو عمل ما يمكن، أو توفير بيئة تنتج بمخرجات يمكن أن تكون ناجحة، لكن الأهم من كل ذلك هو وضع برامج وأهداف، وتحديد آليات العمل بوضح، لكي يتحقق النجاح بشكل سلس. في وقت ما، عملنا مع زملاء وأصدقاء بالمجال الثقافي، وقدّمت لنا مسألة الانتخاب الكثير من الإضافات، مع تنوع في الاحتمالات، فمن كان في صفك قد يصبح في صف آخر، ومن كنت تشعر أنه قادر على ترجمة الأفعال، قد يفقدك الرهان. لذلك فإن الانتخابات تقوم دائماً على المخرجات المتباينة، وليس على القدرات الفكرية والأدبية. والفعل الانتخابي لا يترجم بضرورة بالتحزم بالمجموعة أو التكتل. ربما تكون بعض التكتلات الانتخابية قوية بمظهرها ضعيفة في عطائها، وهو ما تعاني منه بعض المؤسسات، فيصاب الأعضاء بنوبات من اليأس، وفي بعض الأحيان فإن تعاقب الإدارات المنتخبة يؤدي إلى تراخٍ في العمل، أو ابتعاد الأعضاء عن منظومة النشاط الثقافي. ولذلك فإن الانتخاب غير المنتظم يسبب ربكة في المؤسسات الثقافية، فتختفي العناصر الفعالة والمدركة للعمل. وفي هذه الحال ينتصر الفشل، ويتزعزع العمل الإداري، ويتلاشى نشاط المؤسسات الثقافية. الخلل ليس في الانتخاب. فهناك مؤسسات ثقافية قائمة على التعيين، وهي أكثر فشلًا، بل تعاني من المحدودية الفكرية برغم ما لديها من مقدرات، لكن كل ما ينتج عنها هو الفتور والعبث بالوقت، فتبقى بلا رؤى أو برامج. إن انتخاب الهيئات الثقافية من المفترض أن يلمس الأفق الأبعد لمعناه الحقيقي الجامح، والمتجاور مع الديمقراطية الحرة، والمتأصل بالثقافة الرصينة، والمتعايش مع القنوات الحياتية المتلائمة، وهي الأمور التي يجدر بالانتخاب الفعّال أن يحققها، فهناك ناتج من العمل الطموح أبعد مما يتصوره المرء، وكل ذلك لا يمكن أن يؤتي أكله ما لم يترافق مع المسؤولية والمساءلة الضميرية التي ترفض العشوائية والتخاذل.