تحت مظلة الغيمة، تنظر إلى الأعلى، فترى العالم من حولك مبللاً بالماء، وترى للمطر لغة أشبه بمشية الحمام البري، تتبع الخطوات وأنت ملون بالرمادي، أنت متكئ على الظلال ترتشف من شفة الغيمة، لينمو على شفتيك شغف الأبدية، تذهب إلى السدرة المعلقة في السماء، وتنظر إلى الوريقات، فتلمس لذة الوجود وأنت في الموقف، أنت في صلب الحدث الكوني الرهيب، والعصافير من حولك تهتف باسم الجمال المتدفق، وتترنم أجنحتها كناي صغير، ينفخ فيه مهمش عند قارعة طريق. تحت الغيمة تبدو الحياة أكثر تألقاً، وتبدو الغيمة مثل شرشف يشف من تحته كون فسيح منمق بالسكينة، والمطر يكتب قصيدته العصماء بلغة تنقش على الأرض صورة الجلال، وأنت لا تزال تحتفي بالبلل، كأنك الطير ساعة مكوثه في صلوات الفطرة، كأنك الحلم يثب في الذاكرة، ليمنح الوجود صيغة الازدهار، فتزهو القريحة وتعتمر قبعة الخروج إلى عالم لا فيه وجل، ولا فيه جلل، إنك هنا في قلب الفرح، فلا يخطر على بالك كيف تمنح الغيمة رضابها للأرض، ثم تغادر خيمتها وتترك العشب وحده يرتب ملاءته الخضراء، ويلون قرطاسة التراب بنقوش وردية، وينتظر متى تعود الشمس لتنثر خيوطها الحريرية، لتنمو في سنابله رائحة التداخل بين مكونات الوجود. تحت الغيمة، تنسكب في داخلك مياه، وتجتاحك صور ووجوه، تتذكر يومك الذي أفل، وعمرك الذي توارى خلف ظلالك الفائتة، تتذكر مناطق زرتها، وعيونا عشقتها، وابتسامات ارتجفت لها قطرات المطر على جفنيك، تتذكر دمعة الصغير فيك، لفه البرد تحت سقف الخيمة، والآن أنت هنا، في نقطة على الأرض، تحيطك الجدران وتضمك أذرع من رفاهية الزمن الجميل، أنت في لُب الجمال، وأنت في صلب الحياة المنعمة ببذخ المطر، وهو يتبختر على سفوح وعيك بالحياة، مندمج فيه مثل حبات الرمل، منغمس في أحلامك، ذاهب إلى الحياة بقلب أكبر من المحيط، وروح تستدير حول الشمس كأنها الهالة العظيمة، وذاكرة تمتلئ بالأعشاب القديمة التي لم يجف ريقها بعد ولم تذبل، إنك تحت الغيمة مثل طائر ينقر حبات الرمل، ليسقي صغاره من عذوبة السماء من بلل لا يأتي إلا بعد حين. تحت الغيمة تسمع وشوشة الأشجار وهي تناغي الوجود بحميمية، وتسمع صوتك الداخلي يهمس قائلاً: هذه الحياة أجمل عندما يصيبها البلل، وعندما يغدق المطر من عذوبته، وعندما تبدو الأرض مثل امرأة يجللها الماء ويمنحها العذوبة.