يعكس هذا المثل الشعبي عمق العلاقات الإماراتية مع جمهورية الهند، وهي علاقة فريدة عبر عنها الأجداد بهذا المثل فهو يُغنيك عن التفسير. الشعب الهندي شعبٌ عريقٌ ولا يفرق بيننا في علاقة التواصل الإنساني سوى تلك المساحة المائية التي انتقلت عبرها سفن المودة والتسامح. سافر أجدادنا إلى الهند ولم يفكروا في اللغة، العرق، اللون، الدين، أو حتى العادات والتقاليد؛ فكيف استطاعوا بناء علاقة وطيدة؟ دعوني أخبركم بشيء: قبل يومين كنت في محل «هريش» وهو في خنخوش من خناخيش بومباي، وما أن دخلت حتى وجدت الإماراتيين وإخوتنا الخليجيين في مجموعاتٍ يقوم على خدمة كل مجموعة بائع يعرض بضاعته بحسب طلب الزبائن. جلس أمامنا «راج» الذي رحب بنا وقال: «شحالكم، وشحال عربكم؟ شو الحال على خالتك سلامة وخالك يمعة» قلت له: «الحمد لله، شحالكم أنتو وشحال الفريخات» قال: «يابوك ارتبشنا في عرس بنتي وتونا منقفضين منه... تعرفين روحك نحنا الهندوس عندنا طقوس... ولايهمك باطرش لك «اللدوه» والحلاوة مال العرس يالين فندقكم والحين أطلب لكم شاي ماسالا؟». وبعد الشاي، طلبت منه مزري مال أول... فضحك وقال: «سبحان الله، براويك من الطبقات اللي توها واصلتنا». وصار يلقي أمامي القطع واحدة تلو الأخرى حتى تحول الاختيار إلى تحدٍّ، فهمس «هذي الحمرا أخيَر من اللي عندك... وباطرش لخالتك الصفرا... هزرك بتعيبها؟»، قلت له خلاص: «صكت الحلقة البطان»... كل هذي الرمسة الإماراتية الخالصة، فقلة قليلة منا يستخدم مفردات مثل «الفريخات»، و«أخيَر»، أو «هزرك».. والأهم من ذلك أنه أرسل الأغراض إلى الفندق من دون أن ندفع فلساً واحداً، بل قال: «يوم بتروحون الإمارات طرشوا البيزات على راحتكم»! للعارفين أقول، هذه هي «القوة الناعمة» التي تركها آباؤنا وأجدادنا في أجزاء من الهند. أعلم أن جدي كان غواصاً ماهراً عرفته هيرات الخليج حتى مرض فأخذه والدي إلى بومباي للعلاج وشاء القدر أن يلاقي ربه فدفن هناك. لم يكتفِ «راج» بما قاله وفعله، فأحضر لنا مدخناً فيه عودة تفور، ومد يده بالمدخن قائلاً: «رافج عليكم، غداكم باكر عندنا» فقلنا له بصوت واحد: «الله يكرمك... أبشر وتم». عدنا من الهند محملين بامتداد جمال حضارتنا وثقافة أجدادنا وإنجازات الشيخ زايد (طيب الله ثراه)، فكل هذه الجهود المتكاملة تصنع السعادة وتطرح نموذجاً جديداً يحث على التعايش بعيداً عن الفرقة والكراهية والتطرف.