كم من المشاريع غير المكتملة في حياتنا؟ وهل نسأل أنفسنا لماذا لا تكتمل؟ أبحث عن الإلهام في الموسيقى، أردت أن أستمع لشيء جديد، تبعث لي صديقتي الصحفية والناقدة السينمائية «عُلا الشيخ» رابط أغنية اسمها «اسّا جاي» لفنان فلسطيني اسمه «فرج سليمان»، وفي الحقيقة لا أستمع كثيراً للأغاني الفلسطينية الحديثة، ما يصلنا الشائع من الفلكلور الفلسطيني حفاظاً على مكونات القضية، أما الشباب الذين ولدوا داخل حبكة الحكاية، لم يصل إلينا منهم الكثير، أو نحن لم نبذل ما يكفي من جهد للتنقيب عنهم. في «اسا جاي» والتي تعني أجئت الآن بعد فوات الأوان؟ بما يعني اللوم والعتب، يغني فرج سليمان قصيدة لم تكتمل، كتبها صديقه الفنان «عامر حليحل» ولم يهتم كفاية بها لإكمالها، الأغنية علقت في قلب الملحن فأصرّ أن يقدمها كما هي أغنية غير مكتملة يعاتب فيها الحبيب حبيبه على غيابه وحضوره المتأخر بعد أن يبست المشاعر في لهجة فلسطيني الداخل الشاعرية الأقرب لصوت أمواج البحر. المغني في الشطر الثاني يدندن لملء فراغ الشطر الغائب لتكمل دندنته بحد ذاتها حكاية القصة ولو من دون كلمات. وأفكر أن هكذا حالة الإبداع، الاحتفاء بالنقص حين يغمره الجمال، أَوَ ليس الجمال منتهى الكمال؟، والجمال يحتاج لقلب فنان يحس به يقدره ويعجنه بإحساسه ومشاعره ليخرجه مكتملاً بنقصه. ما الذي يمنعنا من المضي قُدماً بمشاريعنا الناقصة غير تصديقنا أنها ناقصة وفقاً لمعايير الرأي العام الذي تربى على فكرة الاكتمال المكون من تمهيد ومتن وصراع وشخصيات وحوار وخاتمة، وكأن الجميع يحظى برفاهية الوقت ذاته، وكأن قيمة الوقت في امتداده وليس كثافته، وكأن الأشخاص الذين غادروا الحياة باكراً لم يحظوا بحصتهم العادلة من الحياة، وهل يقاس العمر بالسنين؟ «محمود السعيد» شاب مصري عرفه الكثير من الناس عبر صفحته في الفيسبوك شاب عبقري واسع المعرفة والاطلاع، إنسان بقلب واسع بحجم العالم، تحدث كثيراً حول الحب والفرح والتسامح وحللّ بخبرة حكيم أسباب بؤس العالم ومنسوب التعاسة الذي يزيد أو يقل في كل تجربة فردية، محمود مات فجأة في السادسة والعشرين من عمره مخلّفاً هوة فراغ عميقة في كل من عرفه ولامس شعلة روحه، هل نقول عنه تجربة لم تكتمل؟ وهو الذي تأمل في الحياة كمن عاش مئة عام؟ ربما نحتاج أن نؤمن أن الاكتمال مجرد مفهوم، وأن العبرة في براعة الرقصة، وإن لم تدم سوى لحظة، وكم من لحظات دامت ذكراها في القلب سنين.