أجلس الرزق أناساً على كراسي متفاوتة، بعضهم يدور كرسيه، والبعض الآخر يجلس على كراسيٍ ثابتة، أصحاب الكراسي المتحركة يعتبرونها عرشاً، وقلمهم صولجان يشخطون به ليرفعوا أصدقاءهم أو لينكلوا بأعدائهم، وهم يلازمونها دوماً خوفاً من لعبة الكراسي. أما أصحاب الكراسي الثابتة فهم أكثر حركة ونشاطاً فهم من ينجز العمل، ويتنقل من مكتب إلى مكتب بحثاً عن الخراريف ولا يخافون من لعبة الكراسي، فهي ثابتة مهما كان ظرف الزمان والمكان. وفي الممرات ومتاهات الحياة لا يلقي التحية شخص فيبادر بها الآخر من منطلق «أنا ثابت، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام»... تُرى مَن هو الفقير ومن هو المسكين في هذه الحالة؟ *** عندما طلبت من ابنها الذي لم يُكمل دراسته أن يناولها شنطتها لتعطيه منها مصروف عطلة نهاية الأسبوع قال لها بصوتٍ جهوري:«أن مب بشكار» وبعد نصف ساعة دخلت إحدى مقدمات «الخدمة المساندة» في ذلك المنزل، وهي تكاد تطير فرحاً وطلبت من سيدة المنزل أن تسمح لها بالذهاب لشراء الحلوى لتفرقها عليهم تعبيراً عن فرحها. وعندما سألتها عن شعور الغبطة والسرور قالت:«الحمد لله مدام، ولد مال أنا يجي أول من كل نفر داخل بلاد». فقلت في خاطري لا ندري من هو الفقير ومن هو المسكين في هذه الحالة؟ *** يمتاز بإيمانه وأخلاقه المترسخة في البادية والعروبة... اتصل وعبر الأثير لعب طفلٌ بمنظومته وما حاد عن دربه...هناك فقراء وهناك دراويش ولكن لم يُصنَع الهامش إلا ليحتوي الفراغ والعدم. *** يمر الثعبان بحالة نفسية تفقده الشهية وقد يختار الدفاع بدلاً عن الهجوم عندما يكون في مرحلة ذرف الجلد. قلت لأحد الثعابين ذات مرة: «أنت حر من ما لم تضرّ» فرد علي بصراحة الثعابين:«ذرف الجلد يجدد التمويه ويُحسن الأداء» ومازال على حاله فالطبع كما قال الأولون، ضلع! مسكين هو من لا يعرف «المرقمط» من «المرنقط»! *** للعارفين أقول، نور الدرب ضوءٌ من القلب فقراء من لا يعرفون بأن العلم نور وأن الأخلاق عملاق في عالم السعادة. وأسعدتني زيارة ملائكتي لمن تسمو بهم الحياة ونفتخر بهم طالما الروح لم تروح. وأذكر في كل صلاة ما تردده والدتي-رحمها الله- دوما (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ).