لم يكن قرد الشمبانزي الملقب بـ«مايك» قرداً عادياً، فقد كان مِقداماً متحفزاً ذا نزعة ريادية، غير أن فقدانه لاثنين من أنيابه وتقدمه في السن نسبياً عن باقي أقرانه ـ الذين كانوا أيضاً أشد منه جسدياً ـ حال دون تزعمه القطيع؛ فقد كان هناك 11 قرداً آخر أعلى منه مرتبة وأكثر استحقاقاً للزعامة؛ غير أن ذلك كله قد تبدل عندما التقط «مايك» عُلبة صفيح فارغة كان قد عثر عليها أثناء سيره في متنزه «غومبي» بتنزانيا. أُعجب قرد الشمبانزي بالصوت الخارق الذي كانت تُحدثه العلبة كلما ركلها؛ مما دفعه إلى الاحتفاظ بها. ومع الوقت أدرك أن صوت الصفيح كان يدفع القردة إلى الابتعاد عن طريقه كلما أقبل عليها. تعلم القرد «مايك» ـ وهو الاسم الذي أطلقته عالمة الحيوان «جين غودال» على هذا الذكر ـ فيما بعد إبقاء ثلاث علب كيروسين معه أينما حل، بل إنه أصبح يركلها ويضربها عمداً أمام مجموعة من قرود كان يخشاها في السابق، فإذا به يهاجمها مستعيناً بصوت الصفيح لإخافتها. تقول عالمة الحيوان «جين غودال» إن تلك القرود ما لبثت أن عادت فيما بعد للاحتفاء به، وكان ذلك بداية زعامة القرد «مايك» على قطيعه؛ إذ لم يستغرق الأمر سوى أربعة أشهر تقريباً للوصول إلى هرم السلطة. صحيح أن «جين غودال» الحاصلة على شهادة الدكتوراه في علم سلوك الحيوان بجامعة كامبردج، أضافت فيما بعد لبحثها الطويل الذي امتد لعقود حقيقة علمية لم يكن يعترف بها علماء سلوك الحيوان، بأن لهذه القرود «أنماطاً سلوكية متباينة»، غير أنها لم تفسر سبب استسلام باقي القردة لهذا التخويف المصطنع الصادر من علب صفيح فارغة لا حول لها ولا قوة!! لم تشرح «جين غودال» ذلك، كما هو حال عجزي عن تفسير ردات فعل بعض الناس ـ أصحاب العقول ـ عندما يتصرفون بخضوع ودونية أمام من يوهمهم بأنه صاحب نفوذ وسلطة ومسنود من «فوق»، وأنه مدعوم ومحصن تماماً! لا ألوم القرد «مايك» على نزعته وطموحه، ولا ألوم القردة الخاضعة لسلوك «ذكي» من قرد مثلهم، غير أنه لا يمكنني أن أكون راضية عن سلوك البشر الذين يُزفون بكل سذاجة كل يوم أشخاصاً لمراتب ومراكز غير مستحقة سوى لكونهم امتلكوا علب صفيح تُحدث ضجيجاً يهابه الجبناء. مات القرد «مايك» بعد أن تزعم القطيع زمناً، غير أن عُلب الصفيح لم تفنَ بموت مستخدمها، إنما هي بانتظار من يُقبل عليها ويستخدمها بمهارة، لأنه ببساطة.. الجبناء وأصحاب العقول المفرغة.. موجودون باستمرار.